قد يعتقد البعض من العنوان انني لا ارغب في دراسة اسرائيل او الاطلاع على ما يقدم من جانبها، لكنني على العكس ارى ان واجبنا، دراسة الكيان الصهيوني والاطلاع على ما يقدمه وتطرحه للاستعداد لها والتأهب لمخططاتها. ولكن ما أقدمه في السطور التالية أمر جد خطير، هل تسألنا لماذا تقدم اسرائيل صفحاتها باللغة العربية كموقع رسمي تدعمه وزارة الخارجية الإسرائيلية؟ البعض قد يقول ان اسرائيل دولة بها طائفة عربية، ولكن هذه الصفحة تدعمها الخارجية الاسرائيلية كأحد ادوات القوة الناعمة، ايضا اسرائيل ذاتها بعد قانون القومية تراجعت عن العربية كأحد اللغات الرسمية لتصبح لغة ذات اعتبار، إذاً لماذا تتكلم بالعربية؟ ولماذا مع سلوك الشباب العربي في مهاجمة التعليقات بالصفحة بل وتوجيه بعض السباب اللاذع لهم تستمر في التواجد هل تسعد بالسباب أم لديها أسباب أخرى؟!
والحديث هنا ليس عن صفحات قد نشتبه في تبعيتها لإسرائيل، وإنما هي أحد الصفحات الرسمية لإسرائيل، يرتادها شبابنا ويدخل في نقاشات وجدل يزج بهم عبر ضباط الموساد الاسرائيلي من خلال حملات من الاستفزاز عبر حسابات مزيفة بعضها يحمل اسماء عرب حتى ان بعض الشباب الغيور يمارس بعض السباب ردا على الحجج المزيفة التي يسقونها، والبعض من شبابنا قد لا يلم بأبعاد القضية المثارة وبالأسانيد والحجج، فتكون الشتائم أحد ادواته في التعبير والرد.
هنا علينا أن نعي أن ما تفعله اسرائيل أمر ممنهج عبر صفحاتها للتواصل الاجتماعي، نعم للتواصل الاجتماعي، اي للتواصل مع الشباب والمجتمعات التي تستهدفها عبر اللغة التي تكتب بها ومن ثم علينا الوقوف والتدبر حول الهدف والسبب من وجود مثل هذه الصفحات:
أولاً- أغراض إسرائيل من صفحات التواصل الاجتماعي
هناك العديد من الأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها من خلال توظيف مثل تلك الصفحات؛ أهمها:
- هذه الصفحات أحد ادوات الحرب الإعلامية والنفسية وأحد مداخل حروب الجيل الرابع لنشر الروح السلبية خاصة عبر إثارة النقاش بشأن انجازات إسرائيل وفشل بعض السياسات العربية.
- أحد أدوات التطبيع السلبي: برغم اللعنات التي توجه من الشباب العربي لكن الهدف هو التفاعل مع الشباب ودراسة العقلية العربية، حتى وإن كان عبر الاستفزاز أو جس النبض تجاه بعض القضايا، والوقوف على أي مدى تغيرت الثوابت العربية، وأية قضايا يرفضها الشارع العربي، واية قضايا أكثر قبولا، ومداخل التأثير وتوجيه الراي العام بمجتمعاتنا.
- تزييف الحقائق والحصول على شرعية زائفة عبر استغلال جهل وقلة معلومات الشباب والمامهم بالحقائق التاريخية.
- تشتيت الفكر والرأي والتشكيك وبث الروح السلبية وبناء سيناريوهات بشأن أدوات التأثير الجديدة.
- تقسيم الصف العربي، فهل سألنا أنفسنا لماذا مدح إسرائيل أو لعن الأنظمة العربية يتم من قبل حسابات عربية هل هذا الزخم واقع أم مزيف لتقسيم الصف العربي؟!.
- تأويل التصريحات الرسمية وشحن النفوس حيث تبرع اسرائيل في استعمال صور أو تصريحات بعض القادة العرب ليظهروا وكأنهم عملاء ليفقد الشباب الرمز والقدوة.
- أحد أهم ادوات استطلاع الرأي والنفاذ للمجتمعات العربية.
- التعرف على الشخصيات الأكثر نفوذاً وتأثيراً عبر التحليل الشبكي لصفحات المتفاعلين مع صفحاتهم الرسمية، والوقوف على دوائرهم المقربة ومعارفهم لبناء سيناريوهات يمكنها تغير مداخل التأثير علي المجتمعات العربية.
- التعرف على قادة الرأي بالمجتمعات العربية عبر TAG و MENTION وshare ودراستهم ومحاولة استقطابهم أو استهدافهم.
- أحد أهم أدوات التجنيد والتعبئة فالتواصل مع الصفحة أصبح سهل ويسير ولا يحتاج لعناء.
- تحليل مضمون هذه الصفحات لقياس اتجاهات الرأي العام العربي تجاه إسرائيل.
- إعطاء انطباع سيء بشأن ثقافة وأخلاق الشباب العربي المتفاعلين مع الصفحة مقابل تحسين صورة إسرائيل واجتذاب الاتباع لتظهر كدولة متقدمة او ككيان متسامح يرعى الأديان.
في الواقع ما طرحته ما هو إلا النذر القليل بشأن أهداف اسرائيل من هذه المواقع التي يقبل شبابنا للتفاعل معها ومساعدتهم على تحقيق أغراضهم من التطبيع السلبي وقبول التفاعل حتى ولو عبر اللعنات فهذه الصفحات ما هي إلا سموم وقنابل موقوته. فإذا اطلعت لا تتفاعل معها لا ترد لا تنشر حتى وان كنت تستهجن فأنت تساعدهم على تحقيق أغراضهم الاستعمارية فلا تتفاعل مع الافعى المتحولة.
ثانياً-السياق الاكبر لقراءة هذه الصفحات
هذه الصفحات هي أحد القنوات للنفاذ للمجتمعات العربية، وبث دعاوي التطبيع الذي أصبح يتم الترويج له عبر المرتزقة من الباحثين والصحفيين وبعض المدعين ممن يسمون أنفسهم خبراء ومحللين ومتخصصين، ويصفون أنفسهم بالوطنية والنزاهة وهم غير ذلك، فهم ليسوا أكثر من مرتزقة يروجون تخاريف أهمية التطبيع للتعرف على العدو، وكأنهم انتهوا من كل الأدوات الممكنة لدراسة العدو لم يعد امامهم إلا التطبيع، أو أنه مدخل للتأثير على الشباب الاسرائيلي وكأننا لا نعلم المنظومة العنصرية اليمينية العسكرية المتطرفة التي ينشأ في كنفها هؤلاء الشباب، أو للتدخل للتأثير على اليسار الاسرائيلي أو لدعم المعارضة وكأننا لا نعلم ما هو اليسار الصهيوني اليميني الذي لا ينتظرك إلا كعميل وخائن لبلدك وعروبتك، أو أنهم يحلمون في لعب أدوار ليست مخصصة لهم فالتأثير سيتم عبر أجهزة رسمية للدول وليس من خلال الباحثين فأنتم مهمتكم فقط الدراسة ورفع الوعي العربي ودعم متخذ القرار العربي ليس أكثر فلا داعي للوهم أو الحلم أو الخيال. بل إن البعض أخذ به خياله ليصف الشباب العربي المتزوج من إسرائيليات الذي يعيش هناك بأنهم ظهير للأمن القومي العربي الأمر الذي يصعب سماعه من باحثين عرب لا يعون خطورة هذا الطرح.
فالتطبيع مع إسرائيل سيظل أمر مستبعد تماماً ولن يحدث إلا عبر إعلان قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وقيام إسرائيل بترسيم حدودها، دون ذلك لا مجال لمثل هذا الطرح والقول أننا لم نجن شيء من المقاطعة أمر عاري من الصحة، فهذا سلاحنا الأهم نحن الشعوب العربية الذي يزعج إسرائيل، وستظل تتألم بسببه لأنها لن تشعر بالاطمئنان والاستقرار طالما لا يتم قبولها من جانب الشعوب وفقاً لوثائق مراكز الفكر الاسرائيلية ففي مؤتمرات هرتسيليا للأمن منذ عام 2000 أي منذ المؤتمر الأول الذي يسمى بعقل إسرائيل يتم ربط قضية التطبيع باعتبارات الامن والاستيطان والردع ودفع العمليات السياسية مع الحكومات والشعوب لضمان إقامة علاقات طبيعية تكفل لهم التمتع بمشاعر الاطمئنان والاستقرار حتى مع استمرار الية القتل الإسرائيلي واغتصاب الأراضي العربية. ومع الحرض الاسرائيلي علينا أن نعي أن هذا السلاح العربي لم يفشل ولن يفشل قط فهو سلاح للمقاومة السلمية والتعبير عن الرأي والحق العربي الذي لم ولن يموت ولن يسقط بالتقادم لذا فالتمسك برفض التطبيع أمر مهم لبقائنا والضغط على إسرائيل لتتراجع عن سياساتها الرافضة لإقامة الدولة الفلسطينية.
ثالثاً- الدور المفترض والتدخل المطلوب
فعلينا توعية شبابنا بخطورة التطبيع بأنواعه خاصة التطبيع السلبي الذي يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية واضحة الهوية فاللعنات والسباب هي ما ترغب فيه إسرائيل لتشرح مجتمعاتنا وتحقق أغراضها البحثية والاستخباراتية والمعلوماتية.
هنا نحتاج لوقفة مهمة أن دراسة إسرائيل فرض عين على الباحثين ولكن ما ينقص العديد هو توافر العقلية النقدية التي تساعدنا على تفنيد الآراء الصالحة والطالحة، والا ننساق خلف المخطط الصهيوني الأمر الذي لابد من تعلمه والتدريب عليه، فلتتعرف على عدوك وتدرسه ولكن بعقلية نقدية دون تفاعل معهم إطلاقاً فهذه الصفحات ما هي إلا أدوات استخباراتية تساعد الكيان الصهيوني على التغلغل في المجتمعات العربية والنفاذ لشبابها واستقطابهم.
أعتقد أن علينا كأكاديميين وباحثين النظر إلى تدريس مقررات بشأن بناء العقلية النقدية وتقديم تدريبات لرفع وعي شبابنا بما يحاق بهم من مخاطر وتحديات وإلا نتركها لتمر مرور الكرام كي نحصن أبناءنا وبناتنا وعلى وزارات التربية والتعليم بناء مناهجها على الفكر النقدي وتفنيد الحجج وبناء الأسانيد. وعلى مؤسساتنا الإعلامية رفع الوعي بمخاطر شبكات التواصل الاجتماعي والدور المطلوب والمفترض لحماية الجيل الجديد بل لدعم الأمن القومي فالشباب هم عصب الوطن ومستقبله وحمايته فرض عين.
المركز العربي للبحوث والدراسات