كاثرينا بيستور
نيويورك – في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت المائدة المستديرة للأعمال، وهي جمعية تضم أكثر الرؤساء التنفيذيين نفوذا في الولايات المتحدة، أن عصر سيادة المساهمين قد انتهى. وقد كان متوقعا أن يقابَل هذا الإعلان المتغطرس بابتهاج وتشكك في نفس الوقت، لكن قليلين لاحظوا ما يكشف عنه محتوى هذا البيان فيما يتصل بطريقة تفكير الرؤساء التنفيذيين في أميركا. فمن الواضح أن قادة الشركات الأميركية يعتقدون أنهم أحرار في تقرير وتحديد من يخدمون. لكنهم هنا وكلاء وليسوا موكلين، وبالتالي فليس مثل هذا القرار قرارهم.
تدلل حقيقة اعتقاد الرؤساء التنفيذيين في أميركا أن بوسعهم تحديد من تكون لهم الكلمة العليا على إحساسهم بالأحقية في ذلك، بل وتعكس أيضا حال الشركات في أميركا، حيث تتركز السلطة على إمبراطوريات الأعمال الممتدة في أنحاء العالم بأيدي قلة من الرجال (وعدد أقل كثيرا من السيدات). وفقا لقانون الشركات، فإن من يقوم بتعيين الرؤساء التنفيذيين هم مديرو الشركة، الذين ينتخبهم حاملو الأسهم في هذه الشركة كل عام. لكن عمليا يظل معظم المديرين في مواقعهم بمجالس الإدارة لسنوات متواصلة، وكذلك الرؤساء التنفيذيون الذين يعينهم المديرون.
على سبيل المثال، يحتفظ جيمي دايمون، رئيس مجلس إدارة المائدة المستديرة للأعمال، بإدارة بنك جيه بي مورجان تشيس منذ أكثر من 15 عاما. وخلال معظم تلك الفترة، شغل منصبي الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة، وهو ما يعد خرقا لمبادئ إدارة الشركات، التي توصي بالفصل بين المنصبين.
إن استيلاء الرؤساء التنفيذيين الأميركيين على العملية التي يدينون لها بمناصبهم يمثل استهزاءً بسلطة المساهمين. ولطالما فضلت المائدة المستديرة للأعمال ذاتها تصويت الأكثرية على الأغلبية، بمعنى احتياج أعضاء مجلس الإدارة الموجودين بمناصبهم للحصول فقط على أصوات أكثر من أي فرد آخر، بدلا من تحقيق الأغلبية، للاحتفاظ بمناصبهم. في الوقت ذاته، حاربت الجمعية بضراوة هيئة الأوراق المالية والبورصات لمنع صدور قانون يتيح للمساهمين كتابة أسماء مرشحيهم غير المدرجين بالقائمة عند التماس الأصوات الانتخابية. كما واصلت محاولتها إضعاف قدرة المساهمين على اقتراح بنود جداول الأعمال للاجتماعات الخاصة بهم.
باختصار، لم تكن سيادة المساهمين تعني في أي وقت بالنسبة للمائدة المستديرة للأعمال والرؤساء التنفيذيين الذي يمثلونها إتاحة الديمقراطية لهؤلاء المساهمين. بل لقد أعطى نموذج قيمة المساهمين الرؤساء التنفيذيين الغطاء لتحاشي مناقشة استراتيجية الشركات، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالنظر في بدائل لسعر السهم كمقياس لأداء الشركات. فمن منظور الرؤساء التنفيذيين، يمثل سعر السهم كل شيء، لأنه يحمي الشركة من عمليات الاستحواذ (التي تمثل التهديد الأكبر للمديرين الموجودين بمناصبهم)، ويرفع أجورهم ومكافآتهم.
إذا لماذا يثور الرؤساء التنفيذيون على الوضع القائم الذي يتيح لهم التحكم من دون معارضة تقريبا، انحيازا لانموذج إدارة أصحاب المصلحة الذي يضع الموظفين وبيئة الأعمال على قدم المساواة مع المساهمين؟ الإجابة هي أن الثورات تأكل أبناءها في الغالب، إذ لم تتوقف سيادة سعر السهم عن حماية الرؤساء التنفيذيين كما كانت في الماضي فحسب، بل لقد أضحت تمثل خطرا أيضا.
على أيه حال، يشكل هذا عاملا لحماية المساهمين عند تفرقهم الشديد وعجزهم عن تنظيم أنفسهم. لكن الأمر يختلف تماما حينما يتجمع المساهمون في تكتلات تحظى بسلطة نقض مؤثرة وتتمتع بالقدرة على التنسيق سعيا لتحقيق الأهداف المشتركة. فلو نظرنا مثلا إلى بنك جيه بي مورجان تشيس لوجدنا أن حوالي 74% من أسهمه تمتلكها مؤسسات استثمارية، تتحكم خمس منها ــ من ضمنها فانجارد وبلاك روك وستيت ستريت ــ في ثلث مجموع الأسهم. ولا يقتصر هذا الأمر على جيه بي مورجان وحده. فقد أظهرت أبحاث أجريت مؤخرا في الولايات المتحدة أن ذات المجموعة القليلة من مديري الأصول العالمية تشكل أكبر المساهمين في كل شركات الوساطة المالية، وشركات التكنولوجيا الكبرى، وشركات الطيران تقريبا.
بالنسبة للرؤساء التنفيذيين، أدى ظهور التكتلات القوية للمساهمين إلى تغيير لعبة إدارة الشركات. ففي ظل الحاجة لاستثمار مدخرات تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات، أصبح من غير الممكن تجاهل المؤسسات الاستثمارية. وحتى لو لم ينخرط مديرو الأصول بشكل نشط في إدارة الشركات، فما يزال بإمكانهم إرسال إشارة قوية إلى السوق بالتخلص من الأسهم.
لقد حمل نموذج سيادة المساهمين الرؤساء التنفيذيين على تدبير الأرباح لسنوات من خلال التعهيد، وتقليص العمالة، والمراجحة التنظيمية والضريبية، وإعادة شراء الأسهم لدفع الأموال للمساهمين على حساب الاستثمار في مستقبل الشركات. أما الآن فقد أدركوا أخيرا أن هذه الاستراتيجيات تخدم مصالح المؤسسات الاستثمارية أكثر من استدامة الشركات.
وبعد أن وجدوا أنفسهم في مواجهة الرياح المعاكسة التي خلقوها بأنفسهم، يبدو أن الرؤساء التنفيذيين في أميركا قد توصلوا لنتيجة مفادها أن الهجوم الجيد خير وسيلة للدفاع. لكن إذا كانوا جادين بشأن التخلص من نموذج سيادة المساهمين، فلن تكفي البيانات العامة، إِذ يجب عليهم أيضا دعم الإصلاحات القانونية، خاصة التدابير المطلوبة لمحاسبة مديري الشركات ورؤسائها التنفيذيين أمام الموكلين الذين يخدمونهم. وقد يعني هذا مد تمثيل مجالس الإدارات ليشمل الموظفين وأصحاب المصلحة الآخرين، أو ربما يأخذ شكل مراجعات خاصة للحسابات، تتسق مع قواعد تلك المراجعات التي تخضع لها المؤسسات ذات النفع العام.
على أية حال، إذا أردنا أن يرقى نموذج أصحاب المصلحة الجديد لما هو أسمى من تمثيلية «ديمقراطية المساهمين» القديمة، فيجب أن يشارك الموكلون أنفسهم في وضع النظام الجديد. لكن إذا تركنا الأمر للوكلاء كي يقرروه لأنفسهم كيفما يرون، فسينتهي الأمر بنا بالعودة إلى نقطة البداية.
كاثرينا بيستور أستاذة القانون المقارن في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، ومؤلفة كتاب قانون رأس المال: كيف يخلق القانون الثروة وعدم المساواة.
بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org