الهندسة المناخية: حصان طروادة

سيلفيا ريبيرو

على الرغم من أن آثار تغير المناخ أصبحت واضحة على نحو متزايد، فإن التقدم نحو الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي ما يزال مخيبا للآمال كما كان في أي وقت مضى، الأمر الذي دفع بعض الخبراء إلى الترويج لحلول تكنولوجية جديدة ربما تخلصنا من المأزق. على سبيل المثال، يحثنا ديفيد كيث من جامعة هارفارد على التفكير في الهندسة المناخية ــ تدخلات متعمدة واسعة النطاق وشديدة الخطورة في نظام كوكب الأرض المناخي.
في شهر مارس/آذار الماضي، في إطار مؤتمر الأمم المتحدة البيئي الذي استضافته نيروبي في كينيا، أعاقت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية محاولة للتدقيق في الهندسة المناخية وآثارها على الحوكمة الدولية. من ناحية أخرى، يبدو أن تجربة كيث لإحداث اختلالات منضبطة تحت السيطرة في طبقة الستراتوسفير (SCoPEx) في الولايات المتحدة ــ والتي تهدف إلى اختبار شكل من أشكال الهندسة المناخية معروف بمسمى إدارة الإشعاع الشمسي ــ تتحرك إلى الأمام.
تعتمد إدارة الإشعاع الشمسي على ما يسمى الحقن الرذاذي لطبقة الستراتوسفير، الذي يتلخص في استخدام بالون على ارتفاعات عالية لرش كميات كبيرة من جسيمات غير عضوية في طبقة الستراتوسفير بهدف عكس بعض أشعة الشمس إلى الفضاء. وتتلخص تجربة كيث في إرسال بالون مجهز بأدوات علمية إلى ارتفاع 20 كيلومترا فوق سطح الأرض لاختبار قدرة مواد متنوعة على عكس أشعة الشمس.
لكن هذه الجوانب التقنية للتجربة أقل أهمية كثيرا من عواقبها السياسية والاجتماعية والجيوسياسية. ذلك أن مخاطر الهندسة المناخية لا يمكن الاستهانة بها. فإذا نُشِر تكنيك إدارة الإشعاع الشمسي على نطاق واسع فإنه قد يتسبب في تعطيل الرياح الموسمية في آسيا وإحداث موجات الجفاف في أفريقيا، مما يؤثر على الإمدادات من الغذاء والمياه لملياري إنسان. وقد يتسبب استخدام حامض الكبريتيك ــ الخيار الأكثر إخضاعا للدراسة، والذي اعتزمت اختباره في البداية تجربة كيث (SCoPEx)، في المزيد من استنفاد طبقة الأوزون. (في وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، كانت تجربة كيث تتحدث عن الكربونات فقط).
يبدو أن إطلاق لجنة استشارية مستقلة مؤخرا لإدارة تجربة كيث يهدف إلى إضفاء الشرعية على نوع من التجارب تتفق بقية العالم على كون السماح بها أمرا بالغ الخطورة. علاوة على ذلك، تنحصر عضوية اللجنة في أميركيين، وترتبط في الأغلب بمؤسسات النخبة، مما يثير التساؤلات حول الأطراف التي قد تخدم مثل هذه التجارب مصالحها حقا.
وتتعزز هذه المخاوف بفِعل حقيقة مفادها أن طرح هذه التجربة لا يخلو من تلاعب في الأصل. ذلك أن نتائج تجربة على «نطاق صغير» لن ترقى إلى تقييم جدير بالثقة للتأثيرات المترتبة على نشر إدارة الإشعاع الشمسي على النطاق المطلوب للهندسة المناخية. كما أوضح علماء المناخ، فإن السبيل الوحيد للتعرف على الكيفية التي قد يؤثر بها تكنيك إدارة الإشعاع الشمسي (أو أي تكنيك آخر للهندسة المناخية) على المناخ يتمثل في نشر هذا التكنيك على مدى عدة عقود من الزمن على نطاق هائل. وإلا فلن يتسنى لنا التمييز بين التأثيرات المترتبة عليه والمتغيرات المناخية الأخرى و»الضوضاء المناخية».
الواقع أن الهندسة المناخية غير قابلة للاختبار بطبيعتها، وعلى هذا فإن كل ما قد تتمكن تجارب مثل تجربة كيث من القيام به هو خلق الزخم اللازم لإجراء تجارب أكبر حجما وأطول أمدا. وبمجرد استهلاك الملايين من الدولارات لإنشاء المؤسسات ذات الصِلة وتوظيف أعداد كبيرة من الناس، يصبح من الأسهل الزعم بأن هناك حاجة إلى جمع المزيد من البيانات، ثم التحدث أخيرا عن ضرورة نشر هذه التكنولوجيا.
وعلى هذا فإن المشاريع مثل مشروع كيث تمثل سابقة جديدة وخطيرة لتنفيذ تكنولوجيات الهندسة المناخية بقرار أحادي من قِبَل أصحاب المليارات والمصالح الخاصة. وكما يشير التقرير الحديث الصادر عن مركز القانون البيئي الدولي ومؤسسة هاينريش بول، بعنوان «وقود للنار»، فإن شركات الوقود الأحفوري كانت تستثمر في مشاريع الهندسة المناخية لعقود من الزمن. فهي ترى في وعد البطاقة التكنولوجية المجانية للخروج من السجن ذريعة مثالية لمواصلة أنشطتها الهدّامة المدمرة العالية الربحية.
الواقع أن شركة كيث ذاتها، والتي تحمل اسم «كربون إنجنيرنج» (هندسة الكربون)، تلقت مؤخرا 68 مليون دولار من شركة أوكسيدنتال بتروليوم، وشركة شيفرون، وشركة الفحم العملاقة بيليتون، لتطوير نهج آخر ربما يكون شديد الخطورة في التعامل مع الهندسة المناخية ــ الاحتجاز المباشر للهواء، والذي يمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، سواء لاستعماله أو تخزينه. وبين ممولي الشركة الأصليين ممول مشاريع الرمال النفطية ن. موراي إدواردز (فضلا عن بِل جيتس).
إن السماح لمثل هذه المشاريع بالتحرك إلى الأمام في غياب أي تفويض سياسي أو إشراف مؤسسي قد يرسخ نظاما للتنظيم الذاتي يتسم بقدر هائل من عدم الكفاءة في التعامل مع تكنولوجيات عظيمة العواقب مثل الهندسة المناخية. وهذا هو السبب الذي دعا اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي إلى مطالبة الحكومات بعدم السماح بتنفيذ أي أنشطة في مجال الهندسة المناخية إلى أن يتم وضع «آلية تحكم وتنظيم عالمية تتسم بالشفافية والفعالية» ــ آلية تلتزم «بالنهج التحوطي».
استثنت اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي التجارب التي تجرى على نطاق صغير، على أن تجرى تحت شروط معينة، وهو ما لا ينطبق على تجربة كيث: بين هذه الشروط، تنفيذ التجارب في «بيئات خاضعة للسيطرة»، والحصول على موافقة حرة مسبقة ومبنية على إطلاع كامل من قِبَل السكان الأصليين والمجتمعات المحلية التي قد تتأثر بهذه التجارب. علاوة على ذلك، في حالة تجربة كيث، يبدو أن لا أحد أبدى أي اعتبار للأصوات المنتقدة من المجتمع المدني أو حكومات الدول النامية.
يبدو أن المروجين لتجربة كيث يغتنمون فرصة فشل الولايات المتحدة في التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي. كما يثير تولي مسؤول حكومي من كاليفورنيا، لويز بيدزورث، رئاسة اللجنة الاستشارية لهذه التجربة التساؤل حول ما إذا كانت الولاية التي عينت نفسها زعيما مناخيا تتبنى الآن أكثر أشكال الهندسة المناخية إثارة للجدال.
بدلا من السماح لشركات الوقود الأحفوري التي خربت كوكبنا من أجل الربح بمواصلة العمل لتحقيق مصالحها الخاصة، يتعين على العالم أن يعكف على إنشاء آلية تنظيمية ديمقراطية قوية ومتعددة الأطراف، والتي تتضمن خيار حظر تكنولوجيات بعينها صراحة. وإلى أن يتم تطبيق مثل هذا النظام الدولي، يجب عدم السماح لتجارب مثل تجربة كيث ــ التي تهدد بلعب دور حصان طروادة في نشر تكنولوجيات بالغة الخطورة على نطاق واسع ــ بالمضي قدما.
سيلفيا روبيرو مديرة قسم أميركا اللاتينية في مجموعة ETC.

بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة