حسين علي خضير
حاولت عدة مرات ان أتفادى الكتابة عن الكاتب المعاصر ديمتري بيكوف المتعدد المواهب – وهو كاتب، وصحفي، وناثر، وشاعر، وناقد والخ. ولكن آرائه الغريبة والمثيرة الى الجدل وانتقاده الى قامات ادبية كبيرة في عالم الادب الروسي، كل هذه الأسباب دعتني اكتب هذا المقال، فما يهمني من هذا المقال هو طريقة نقده للكتَاب والشعراء الموهوبين وغير الموهوبين، وطبعا، القائمة طويلة، ولا مجال لنا في ذكر الأسماء التي تحدث عنها بيكوف، ولكن اخترنا اسمين كبيران في عالم الشعر والنثر هما: الشاعرة الكبيرة آنا اخماتوفا والكاتب العظيم دوستويفسكي، والغريب في الامر ان هذا الكاتب له العديد من المعجبين في روسيا، لكن طريقة كتابته او انتقاده تجعل الشخص في صدمة واستياء مما يطرحه هذ الكاتب الغريب الأطوار، حتى ان الكاتب والناقد المعاصر المعروف رومان سينجين تحدث عنه، حينما سألوه في احدى اللقاءات: « من هو ديمتري بيكوف بالنسبة لكم – شاعر، ناثر، كاتب مقال، كاتب مسرحية، محاضر ام ظاهرة فريدة؟… يجب ان انوه فكرت لفترة طويلة، قبل ان اجاوب، وسوف أجيب، على الأرجح، ومن المتوقع انه ظاهرة فريدة، اقرأ واستمع الى بيكوف كثيراً. في بعض الأحيان يقول ويكتب أشياء مثيرة الى الاستياء. أود ان أجادله، لقد فعلت ذلك عن طريق الكتابة مرتين فقط، ولكن فكرياً أفعل ذلك كثيراً، وبفضل ديمتري لفوفيتش كثيرا ما قدراتي العقلية لاتزال لم تتأكسد أبداً.»، وعلى ما يبدو ان الكاتب رومان سينجين مستاء من أفكاره التي تثير الشك، وعدم احترام الرموز الأدبية الروسية التي تركت بصمة كبيرة في الأدب الروسي، ودليل على ذلك ان الناقد رومان سينجين يقول فكرياً اني أجادله كثيراً وهذه اشارة واضحة ان رومان لا يتفق مع بيكوف فيما يطرحه من افكار.
اما الان دعونا نكشف لكم بعض من آرائه الغريبة : فقد تحدث في محاضراته التي يلقيها باستمرار عن رايه بالشاعرة الكبيرة آنا اخماتوفا بمناسبة يوم ذكرى ولادتها، وكان رأيه بالنسبة لي غريباً وصادماً لا ينم عن كونه ناقداً معروفاً، فيقول عنها: « تجسد اخماتوفا النموذج للمرأة الفاسقة المقدسة، وهو النموذج الذي جسدته وغرسته لأول مرة في الادب الروسي «. ياله من ناقد غريب!!!، ولم يكتفي بذلك، بل حتى الكاتب الكبير دوستويفسكي لم ينجو من افكاره الغريبة، فيقول عنه : « … ماذا يمثل مبدئياً بالنسبة لي أهمية دوستويفسكي؟ انا أعده كاتباً كبيراً للمقالات السياسية والاجتماعية والهجائية، ومؤلف أهاجي مشهور، ومقالاته الاجتماعية لها شأن كبير جداً. أسلوبه حسب أدعاء باختين اقرب الى المونولوج ومتعدد الأصوات، صوته أجش، تتقطع انفاسه همساً، الذي نسمعه دائماً في نصوصه، مكتوباً على طريقة تلقين ومسجل باختزال، وهذا الامر قريب جداً الى الأسلوب الصحفي، اما بالنسبة لعرضه بارعاً ودائماً ساخراً لراي ما وحيداً كان او متعدداً الأصوات. جميع ابطاله يتحدثون بطريقة متشابها. وجميعهم مرضى بأمراضهم الخاصة. لعل الكلمات الصادقة لتولستوي تنطبق عليه: (( انه واثق من أنه إذا كان مريضا – فالعالم كله مريض )). هو كاتب ساخر كبير، ومؤلف هجائي رائع، له القدرة على ان يكون مضحكاً، وفرحاً، ومألوفا واحيانا عنيفاً. ولكن على الأغلب لا انوي ان اسميه فناناً، أولاً، هنا بذات كفنان قام بأشياء جيدة حتى عام 1865، ومن ثم استمر الفن بتراجع متزايد عند اول اهجوة صدرت ( الشياطين ) – هي نقطة الذروة في اعماله، اما ( الإخوة كارمازوف ) – هي رواية بصورة عامة غير متوازنة التي فيها الأحاديث والجدل والخطب اكثر من العمل ولوحات والمناظر الطبيعية. المناظر عند دوستويفسكي تغيب تقريباً ما عدا المدن. ثانياً، الأكثر أهمية على وجه الدقة هو قبل كل شيء أبداً لم يدعي فناناً. وهو في الغالب مفكراً، وعالم نفساني، ومحلل. كفنان هو يترك انطباعاً بشيء من الضيق وافتقار الى الوسائل بمعنى انه رتيب جداً. ويبدو ان تفاقم المرض لديه ادى به الى السيطرة اقل على قدراته الفنية الخاصة به. كانت لديه مواضيع لأجدال فيها دائما تنتمي الى صورة قاتمة الى اعماق الوعي الإنساني، على سبيل المثال قصة (( بوبوك )) مكتوبة بشكل مدهش وهي حلم وكابوس مخيف جداً، وبودي ان أقول بشكل واضح كان مملاً وغير طبيعي. او انه يؤثر تأثيراً عاطفياً رائعا في سر ما يسمى انسان القبو. اي مثل هكذا تعليم ذاتي وواعي وهكذا سادية مكبوتة بهذا المعنى لا مثيل لها بالنسبة له «. هنا يجب ان نوجه سؤالا، اذا كان دوستويفسكي ليس فناناً فمن هو الفنان برأيك يا سيد بيكوف؟! لو تمعنا قليلا فيما يقوله بيكوف نجد انه نفس الذي سبقه فلاديمير بيكوف، لديه عقدة من مجد دوستويفسكي، الذي قالها علناً : « لا اخفي، ان لديه رغبة شديدة ان انتزع المجد من دوستويفسكي «، وعلى ما يبدو ان بيكوف أيضاً لديه هذه العقدة، ويحاول بطريقته الساحرة ولسانه السليط وقدرته على اقناع الآخرين في تكوين هذه الفكرة التي تختمر في رأسهُ مثل الذي سبقه نابوكوف. وطبعاً، هذا غيض من فيض مما يطرحه ديمتري بيكوف، الذي معدل محاضراته في اليوم الواحد تتجاوز مراحل حياته.