د صالح الصحن
تقترن بعض الاعمال الفنية بأصحابها وتظل لصيقة بهم ، بفعل ما سجلته من اثر فني لافت في معالجاتها الفنية وأسلوب بنائها شكلا ومضمونًا ، وجميل الامر، عندما تتاح الفرص الثرية والظروف المناسبة والمشجعة ،تتكرر وتتعدد وتختلف هذه الاعمال كمنجزات فنية لصاحبها الذي يستطيع ان يبث فيها روح الابداع والاختلاف في الشكل والمعالجة والمضمون ، وهذا ما يساعدنا ويحفزنا للبحث عن ملامح اُسلوبيه معينة كرابط واتساق بين هذه الاعمال المتعددة لهذا المخرج او ذاك، وهنالك افلام اقترنت بصناعها ،افلام اصبحت علامة ابداعية تدرس في مختلف جامعات العالم ، لا ننسى فيلم المواطن كين لارسون ويلز والعراب لكوبولا وذهب مع الريح لفيكتور فيلمنج ورجل المطر و البرتقالة الميكانيكية وحرب النجوم والمريض الإنكليزي وسائق الدراجة والجدار والعائد والحبل وسايكو والختم السابع و8 ونص والصحراء الحمراء وانقاذ الجندي رايان والغريزة الاساسية والجاذبية وإلقارىء والساعات والرجل الشجاع وافتار، ومئات بل الاف الافلام التي اقترنت بمخرجيها وشكلت نقطة ضوء سينمائيا معرفيا وحرفيا وبمعالجة إخراجية فائقة الخبرة و التي اصبحت هوية لصانعيها، وليس على وجه المقارنة مع المستوى المحلي ابدا بقدر ما يتعلق الامر باكتساب الخبرة المثلى من الاخرين رموزها وفرسانها، حيث معروف كونيا ان أنظمة اشتغال الافلام ونظرية السينما وفلسفتها الإنتاجية في العالم وتسخير ادق وأعلى الإمكانيات المتعددة الاختصاصات من فكر وجمال لها حيز كبير من الاهتمام والدعم والصناعة المتقدمة وبما جعلها ان تصل الى اعلى مراحل الرقي والتطور والذي نجده على ابعد وابعد مسافة مع ما يجري لدينا من مؤشر محدود، وفِي هذا الإطار المحلي ، لم نقصد الاساتذة الافاضل الكبار الذين حققوا للسينما صفحات ابداعية معروفة بعدد من أفلامهم ، وهناك محاولات فيلم واحد في بدايات السينما العراقية منها (فوزي الجنابي من اجل الوطن ١٩٦١ كامل العبلي يد القدر ١٩٦٣ عبد الجبار العبيدي مع الفجر ١٩٦٤ عبد الكريم السراج طريق الظلام ١٩٧٠ حسن الجنابي وجهان في الصوره ١٩٨٩ محمد يوسف الجنابي الباحثون١٩٧٩.
وهناك محاولات عربية اخرى (أمثال إبراهيم عز الدين ظهور الإسلام 1951 ومحسن سابو بومبة 1952 وحامد سعيد الحب الأول 2000 وغيرهم الكثير ) اما عالميا فنتذكر فيلم كليو من الساعة الخامسة الى السابعة للمخرجة الفرنسية انييس فارادا التي استخدمت الزمن الطبيعي وهو الوحيد من نوعه الذي اشتهر اكثر من افلامها والذي اصبح مثالا الزمن الطبيعي في السينما)ولكن ،نجد ان مثل هذه الحالات والإمكانات التي يحرم منها بعض الشباب المخرجين هنا محليا او يفتقر اليها لثمة اسباب، وتجعله في مراوحة من الهموم والمعاناة والتطلعات التي ترسم له احيانا مسافة بعيدة جدا عن محاولة تنفيذ تجربة اخرى قد تضيف الى منجزه الاول رقما اضافيا إيجابيا ، الامر الذي يمكن وصفه بما يشبه ( عدم سقي الحقل ) ، فالمخرج السينمائي بأمس الحاجة الى اهتمام ودعم والى الإحاطة بمنظومة عمل وثقافة مجتمع ودولة ومؤسسات تعشق كثيرا أهمية السينما ، والمخرجين الشباب بالذات بحاجة الى سقي منجزاتهم الابداعية كي تنظر يانعة ، كي تشع ، كي تتعدد، وتزداد وتتنوع ، وتختلف وبما يزيد من الرصيد الابداعي لهم ، وبعض شباب السينما اليوم لدينا في البلاد هم اكثر ما يعانون من هذه المسالة وبقاءهم على حافة فيلم واحد ، على الرغم من المحاولات الإضافية التي انجزها البعض لتعزيز الرصيد الانتاجي له ، فهناك شباب اقترن اسمه بـ(فيلم واحد) دون ان يعمل فيلم ثان او ثالث ويستمر ،رغم ان هذا الفيلم قد يعد من الطراز المثير والمهم ومن اصحاب التفوق وحصد الجوائز في مهرجانات عربية ودولية مرموقة ، او قد يكون غير ذلك ، وهذا مما يشكل له وعليه تساؤلا طويلا بحاجة الى اجابة ، وللبحث في الاحتمالات والأسباب التي أوصلت هذه الحالة الى هذا المستوى نجد ان هناك الكثير من التوقعات التي تحلل لماذا تتكرر لدينا حالة الفيلم الواحد ، ومنها :
قد يكون هذا المخرج طالبا ، وان فيلمه هو اطروحة تخرج ، وهذه متطلبات لابد منها كتحصيل حاصل كما يقال لإنهاء السنة الدراسية المرحلة الاخيرة ، وقد يكون غير طالب وتسنت له فرصة عمل فيلم واحد دون ان تتكرر لأسباب تتعلق به او خارج عن ارادته.
قد يكون انتاج هذا الفيلم فكرة وسيناريو وإخراجاً قد جرى بمساعدة الاخرين او بتكليف مكاتب انتاج أعدت لهذا الغرض .
قد يحتمل ان يكون صانع الفيلم الواحد قد نفد ما لديه من مواهب وقدرات ، واكتفى بهذا الفيلم ولَم يعد قادرا على الاستمرار . : قد لا يعشق السينما اصلا وغير موهوب.
قد لا تسمح له الإمكانيات اللازمة والظروف المحيطة به للتواصل والاستمرار
قد يجد إعاقات كثيرة بفعل سوء الادارة وعدم تكافؤ الفرص
قد وجد خيارا آخرا وفرصة عمل اخرى يعتقدها هي الافضل وتخلى عن هواية الافلام.
هناك من اصابه الغرور بفعل فوز فيلمه الواحد ، ولن يقبل بفرصة اقل من مستوى فيلمه الاول وظل في طور الفيلم الواحد.
قد يفتقر الى الجرأة في تكرار التجربة بفيلم ثان .
قد لا نجد في المؤسسات الفنية المختصة ، من يسال عن صاحب الفيلم الواحد المميز المتفوق كي تقدم له الدعم والمساندة والاهتمام والتشجيع لعمل فيلم اخر وآخر .
ليس هناك سياقات عمل ادارية و مهنية معروفة تلاحق هؤلاء الشباب وتمنحهم فرصة التواصل والتجديد وإبرام عقود العمل والإنتاج السينمائي .