النفط العراقي.. بين سطوة العائلات وسذاجة القرار

سلام مكي

يمثل النفط، الرابط الأساس بين حكومتي بغداد وأربيل، ذلك أن النفط بوصفه المصدر الأول لرفد الموازنة، يمثل الوجه الواضح لطبيعة العلاقة بين الحكومتين. كما أنه المشترك الوحيد الذي بسببه يحدث التعاون بينهما. ففي قانون الموازنة مثلا، لابد من التأكيد على وضع آليات وأسس لتحديد حصة الاقليم من الموازنة، وللأسف فإن تلك الأسس توضع من قبل أشخاص غير مختصين، لا بالجانب المالي ولا بالجانب القانوني، لذلك، فعند ملاحظة نصوص قانون الموازنة نجد أن الاقليم هو الرابح وبغداد هي الخاسرة. المادة 9 ثانيا، حددت حصة الاقليم بعد استبعاد النفقات السيادية بحسب نفوس كل محافظة من محافظات الاقليم، أي أن النسبة المعتمدة للإقليم سواء كانت 17 او 13 % غير قانونية، كذلك يفترض أن يتم اجراء تعداد سكاني يحدد بموجبه عدد نفوس الاقليم كي يتم احتساب نسبة الاقليم.. ما يحدث هو منح نسبة على وفق المزاج السياسي لا على وفق القانون. المادة 10 اولا، نصت على ضرورة تسوية المستحقات بين الاقليم وبين الحكومة الاتحادية للسنوات السابقة، بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي ومن ثم احتساب حصة الاقليم في ضوء المصاريف الفعلية للسنوات السابقة التي تظهرها الحسابات الختامية.. ولكن المشكلة لم تتم عملية التسوية تلك، ولن تتم أصلا، في ظل عدم وجود تعاون حقيقي بين سلطات الاقليم وبين السلطة الاتحادية. الفقرة ثانيا من المادة نفسها ألزمت حكومة الاقليم بتصدير ما لا يقل عن 250 ألف برميل يوميا من النفط المستخرج من حقولها على ان تسلم الايرادات الى الخزينة العامة للدولة حصرا. هنا حكومة الاقليم وباعتراف الجميع، لا تسلم فلسا واحدا لخزينة الدولة، كما ان النص اعلاه يتضمن ثغرة كبيرة يمكن للإقليم من خلالها أن يصدر العدد الذي يراه مناسبا من النفط، فعبارة ما لا يقل، إذا: يمكن للإقليم أن يصدر مليون برميل يوميا لأن النص القانوني لم يحدد الحد الأعلى للتصدير، وان المادة الأولى من القانون بينت الطاقة التصديرية العامة وهي ثلاثة ملايين وثمانمائة وثمانون ألف برميل يوميا، بضمنها ال250 الف برميل المصدرة من الاقليم. فالحكومة تطالب الاقليم بتصدير ما لا يقل عن 250 ألف وحددت الطاقة التصديرية وافترضت أن الاقليم لن يصدر سوى ذلك العدد. في حين ان الواقع يشير الى أن الاقليم يصدر ما لا يقل عن 600 ألف برميل يوميا، ولا يذهب الايراد لا الى خزينة الدولة ولا الى خزينة الاقليم، وبرغم ذلك فإن الحكومة ومن جانب واحد ملتزمة بتسديد مستحقات الاقليم بشكل شهري دون أن يسدد الاقليم ما بذمته للخزينة. وهذه المخالفة الكبيرة، لم نجد جهة تطالب بالوقوف بوجهها، حتى أن بعض النواب طالبوا من مجلس النواب إصدار قرار يلزم الحكومة بتطبيق قانون الموازنة من خلال عدم إرسال حصة الاقليم ما دامت لا تسدد ما بذمتها، ولكن المقترح لم يلق اهتماما من قبل غالبية النواب، وهو ما يشير بوضوح الى أن تلك المخالفة تحصل بعلم وموافقة الجميع. الموقف يحتاج الى إرادة حكومية وشعبية، كي تقف بوجه الجهات التي تسعى الى إغناء الاقليم على حساب بقية المحافظات، لأجل تحقيق غايات شخصية لا أكثر، فالنفط برغم أنه ملك للشعب العراقي وليس ملكا للإقليم أو أي محافظة أخرى، وحسب الدستور، إلا ان الواقع يشير الى أنه أصبح ملكا لعائلات معينة، تمارس سطوتها على أهم ثروة من ثروات البلد.. حتى الدعوى القضائية التي رفعها أحد النواب ضد وزير المالية ليست صحيحة لأن ما يحدث هو خرق قانوني وليس خرقا دستوريا، فكان ينبغي تكليف خبراء في القانون لغرض السير بالطريق القانوني السليم في اللجوء الى القانون لوقف هذا الخرق الكبير.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة