ما يميز داعش والجماعات المتجحفلة معها بارهاب وهمجية واجرام، انها (لا تستعين على قضاء حوائجها بالكتمان) أو اللف والدوران، فهي تطبق ما أتمنتهم عليه القوافل الغابرة بشفافية ومباشرة يحسدهم عليها أشهر مروجي هذه السلع في المشهد العراقي الراهن. وهي من دون الحاجة لتقنيات ومخاتلات وديماغوجيات ما يعرف بدكاكين الاسلاموية الحديثة ( من معتدلين وبراغماتيين واصوليين وغير ذلك من مساحيق) تعلن بلسان رقمي فصيح عن الغايات النهائية والحلم المشترك لهم جميعاً؛ في تحرير الفردوس القابع خلف جدران متاحف التاريخ.
ان ظهور داعش وحجم القاعدة والتأييد الذي لاقته من جماهير “خير امة” لا في مضاربنا المنحوسة وحسب بل لدى الاجيال التي نمت على الصدقات الانسانية والاجتماعية في فسطاط (الكفر) لم يأت كما يروج من ادمن على اجترار قات المؤامرة الدائمة المتربصة برسالتنا الخالدة؛ من جوف ورش ومطابخ الامبريالية والاستعمار وفضلات الحرب الباردة بين الشرق والغرب، صحيح ان تلك النزاعات تركت بصمتها على سرعة وحركة مثل هذه التطورات الكارثية، لكن داعش وغيرها من الجماعات التي بسطت هيمنتها على مصائر عيال الله في هذه الاوطان القديمة، جاءت من جوف سبات طويل وكثبان من الأكاذيب والاضاليل والتزييف واللامسؤولية والخنوع عاشته هذه المجتمعات، التي أوجد ركودها وتعفنها الطويل مثل تلك التقيحات الفتاكة، وهي لا تختلف عن وباء العصر (ايبولا) يستوطن اهم واخطر ما يملك الانسان من أجهزة وقوى (العقل والضمير) ويتركه هائماً بلا بوصلة في عصر هجر منهج الدمار الشامل التلقين والتقديس منذ زمن بعيد.
ليس هناك ادنى شك حول ضرورة واهمية التحالف الدولي الذي فرضته الادارة الاميركية وحلف الناتو على الدول المشاركة فيه، وهو خطوة في طريق الالف ميل لمواجهة هذا الوباء الذي تمدد على تضاريس واسعة من العراق والشام. وبالرغم من التأخر والالتباس الذي يحيط بمثل هذه الاجراءات الدولية، الا انها ستعيد رسم المشهد الراهن، وبما يحد من الصلافة والعدوانية التي طبعت هذا الوباء في اطواره الأخيرة. لكن من يتابع نوع القوى المشاركة في هذا الحلف المضاد لداعش، لن يحتاج الى وقت طويل كي يكتشف حجم القرابة التي تجمع غير القليل من المشتركين في هذا الحلف الدولي والعدو الذي جمعهم من دون ميعاد (داعش). لذلك لن نتفاجئ من الدقلات والمناورات والشطحات التي ستميز مواقف هذه الجهات من هذه الحرب المفروضة عليهم. فلكل منهم امتعاضه الخاص من داعش ومشاكساته الخارجة عن المألوف، بما في ذلك قطط العم سام الاشد فتكاً وشراهة امراء ولايات البترودولار والمسكونين بحلم الخلافة وغير ذلك من المنظومات الاقتصادية والقيمية الحريصة على اعادة هذا الفايروس لمختبراتهم الآمنة.
جمال جصاني