الى جاسم العايف
نصير الشيخ
أهكذا توقف قلبك المحب أبداً، وشَفْت عروقه المتضورة صبراً، بعد ان لامسه هوى في آخر العمر، هوىً ارغم كيانك ان يدخل نوافذه وأنت المطل على نهايات العالم، ثمة زقزقة جاءت على شكل همس لتبعث حسا جديدا للحياة التي تحب..
هكذا أسررت لي ذات ضحى، في واحدة من صباحات المربد البصري، حوارمستمر أمام لوحة تنطق بألوانها، في رواق المركز النفطي، لحظتها اعتزلنا جلبة اصوات الحضور وتركنا الأدباء الحاضرين في فضاء الشعر..وبكل ما أوتيتُ أنا،حاولت فتح خزانة ذاكرتك، وبكل مافيها من دهشة وروية، أجدد اسئلتي وتكون حاضرا، واقاطعك ب» ميانة» وتبتسم، وتهمس لي : أكلك شئ نصير……
تاريخ عشتهُ ووقائع سجلت حضورك فيها واصوات سمعتها وجدال كنت فيه قصب سبق،كتب وكتّاب وقراءات لاتنقطع، ونفي داخلي ومعتقل، كلها جعلت منك شاهداً وشهيدا..انكببت على تدوين حكاياتها كسارد بصري لايكل،منذ مساءات مقهى (( الدكة)) وصولا الى نظرتك الأخيرة لنورسٍ يتخطفك شق جناحه صباحات شط العرب.
كنت تحدثني عن معنى الإنتماء، ياأبا وضاح،، وعن الارتماء في آتون الفكرة والحلم، عن العالم «الطوباوي» الموعود، عن سلالة المخلصين للكلمة والموقف،وعن الآفاقين في كل زمان ومكان…وعن رفاقٍ أستراحوا قبل القبض على الفجر..
لكن كل هذا كان قبضُ ريحٍ،لم ترث منه سوى سوط جلادٍ على ظهرك، وطعناتٍ في خاصرة جسدك النحيف المنتشي بسمرتهِ البصرية، وندوب ظلت حتى ايامك الأخيرة تشع حسرة والم على روحك، وتنزقهراً وصبراً ودماً على ماألت اليهِ حيواتنا.
أبا وضاح.. ولأنك من طينة جنوبية تكحل صباحها برذاذ الفجر، ومساءً تستكين الى اكوام ملح، كنت أغنية لسفائن خشبية، ودليلاً لمراكب رهنت بوصلاتها للمدى، أغنية رددها العاشقون البصريون في ليالي سمرهم، وهم يستجلبون صورحبيباتهم، ويستنزلون غزل القمر وبرودة الماء على حد سواء..
أبا وضاح، بين دهشة الانتماء لحلم سعيدٍ،ونهرمن كلمات اسكرك حتى التجلي،وقوافل من كتب قرأت فيها سِفرَ البلاد المطعونةِ في كل الأزمنةِ، ثمة خيط شفيف من هوى عابرٍ مس قلبك،الذي لم يحتمل فرحاً مفاجئاً،فسكت عن نبضه قبل مغيب الأمنيات،أغمضت عينيك وحيداً على سرير بارد لردهة لاترد عنك الظلام، ولاهواء يعيد اليك الروح،ولا كتاب تقرأ فيه طالع البلاد،ولانهريعيد اليك المراكب والنوارس….
1.7.2019