لماذا يموت كثير من الناس جراء موجات الحرارة المرتفعة؟

الحمام السريع يخفف حرارة الجسم

متابعة الصباح الجديد:

اعادت موجة الحر الشديد التي داهمت معظم دول أوروبا الغربية الى الأذهان، صيف عام 2003 الذي لقي فيه عشرات الآلاف من البشر في القارة العجوز مصرعهم.
وليست موجات الحر الشديد أمراً غريباً في أوروبا، إنما النادر هو أن تأتي إحدى تلك الموجات في وقت مبكر من الصيف. وتتخذ خدمات الطوارئ أعلى درجات التأهب لمواجهة هذا التحدي.
وليست أوروبا وحدها التي تضربها الموجات الحارة فهناك الكثير من البلدان ، ذلك أن أكثر من مئة ألف شخص لقي حتفه في ولاية بهار شمالي الهند حيث تخطت درجات الحرارة الأسبوع المنصرم حاجز الخمسين درجة سيليزية.ولكن، كيف تؤدي موجات الحر إلى الوفاة، ماذا في إمكاننا أن نفعل حتى نحمي أنفسنا من ارتفاع درجات الحرارة لفترات طويلة؟

قدرة على التكيف
آثار موجات الحر المدمرة معروفة جيداً وموثقة، وقد أعدت مدنٌ ومجتمعات كثيرة خطط عملٍ للتصدي لها.لكن يبدو أن الجسم البشري قد يكون بصدد العمل على الوصول إلى حل.
ويقول فريق من الباحثين من جامعة هارفارد ممن قاموا بدراسة الوفيات نتيجة درجات الحرارة المرتفعة في 105 من المدن الأميريكية في الفترة بين عامي 1987 و2005، إنهم توصلوا إلى أن خطر الوفاة من الحرارة يتراجع بشكل ملحوظ.
وقال الفريق: «بمرور الوقت، بات الناس أكثر مرونة في التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة». لكن المخاطر لم تنته بشكل نهائي بعد.
وحذر الفريق من أن «ارتفاعاً في معدل درجات الحرارة بمقدار 2.8 سليزية قد يؤدي إلى زيادة عدد الوفيات بمقدار 1.907 في كل صيف حول العالم».

الفئات المعرضة للخطر؟
يتزايد بنحو كبير عدد من يتعرضون لموجات حرارة شديدة في القرن الحادي والعشرين.
وكبار السن بنحو خاص عرضة للتأثر بدرجات الحرارة المرتفعة وبين عامي 2000 و2016 زاد عدد من يتعرضون لموجات الحرارة المرتفعة بنحو 125 مليون شخص، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وشهدت هذه الفترة عدداً من الوقائع الصعبة، منها ما وقع في 2003 والتي لقي فيها 70 ألف شخص مصرعهم في أوروبا نتيجة للحر الشديد؛ وواقعة أخرى في 2010 والتي شهدت زيادة في عدد الوفيات بنحو 56 ألف شخص إبان موجة حر استمرت نحو 44 يوماً في روسيا الاتحادية (بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية).
ويعد كبار السن والحوامل والأطفال من بين الفئات المعرضة للخطر بسبب ضعف مناعتهم.
وكذلك الذين تضطرهم ظروف عملهم إلى العمل تحت الشمس كالمزارعين وممارسي الرياضة. وهذه الفئات أكثر عرضة للخطر لأن الجهد البدني يرفع درجة حرارة الجسد أيضاً.

الحرارة والجسد
بكوننا كائنات ذات معدلات حرارة ثابتة، فإن أجسامنا تحارب من أجل الحفاظ على درجة الحرارة الداخلية نحو37 درجة سيليزية.يلجأ الناس للشواطئ للتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة وعندما ترتفع درجة حرارة المحيط، فإن الجسم يحاول أن يفقد الحرارة.
وقال منسق الصحة الأوروبي في الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر، دافرون محمدييف: «إذا طال أمد ارتفاع درجة الحرارة الداخلية للجسم بفعل التعرض لدرجات حرارة مرتفعة لفترات طويلة، فإن ذلك يمثل خطورة».
ويضخ القلب المزيد من الدماء صوب سطح الجلد، حيث يمكن فَقْد الحرارة وإخراجها إلى الهواء. وهذا هو السبب في احمرار جلد بعض الناس في البيئات الحارة.
نحن أيضاً نتصبب عرقاً. وتساعد آلية التعرق في خفض درجة حرارة الجسم، لكن جدوى ذلك تقل بنحو ملحوظ إذا ظلت درجة حرارة المحيط كما هي أو كانت أعلى من درجة حرارة الجلد.
يقول ييف: «تشكل درجات الحرارة فوق 37 سيليزية خطورة. وفي الأيام التي تزيد فيها درجات الحرارة عن 30 درجة سيليزية، ينبغي أن نبدأ في اتخاذ تدابير وقائية. كما تلعب الرطوبة دوراً، ففي ظل ارتفاع معدل الرطوبة يتعذر إفراز العرق ومن ثم خفْض درجة حرارة الجسم».
وتقول منظمة الصحة العالمية إن «ارتفاع درجة حرارة الجسم جراء التعرض لمحيط تتجاوز درجة حرارته المعدلات الطبيعية يؤثر بالسلب على قدرة الجسم على ضبط درجة الحرارة الداخلية مما يمكن أن يسفر عن مجموعة من الأمراض منها التشنجات والإجهاد وضربة الشمس وسخونة البدن».
ويمكن لدرجات الحرارة المرتفعة أن تتسبب في حدوث طفح جلدي يستوجب العلاج تقول خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة: «مع بذل مزيد من الجهد البدني، تتسع الأوعية الدموية ويمكن للسوائل أن تتسرب عبر جدران تلك الأوعية. وهذا بدوره يسبب تجميعاً للسوائل أو تورماً في القدم والكاحل والساق على نحو ما يختبر البعض».
ويمكن لخسارة السوائل جراء العراق مصحوبة بانخفاض ضغط الدم أن تؤدي إلى مزيد من المشكلات الخطيرة.

أزمات قلبية
إذا ما تعرض شخص للحرارة الشديدة لفترة طويلة فإن احتمالات إصابته بنوبات قلبية تتزايد.
يقول توني ستابز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة القلب في استراليا: «يؤدي العرق إلى جفاف الجسد، مما يقلص كمية الدم، والذي يتطلب بدوره ضخا أقوى من القلب لتوزيع ما تبقى من كمية الدماء حول الجسد».
ويضيف: «وبالنسبة لأولئك الذين يعانون أمراضاً في القلب والمعرضين بقوة لنوبات قلبية، يمكن في ظل أمثال تلك التغيرات أن تتردى حالة القلب على نحو قد ينتهي أحياناً إلى سكتة قلبية».
فضلاً عن التأثير السلبي على القلب والأوعية الدموية، يمكن للتعرض الطويل لدرجة الحرارة المرتفعة أن يؤدي إلى ضربة شمس، والتي تتطلب عناية طبية فورية.
تحتاج الإصابة بضربات الشمس إلى علاج سريع وتحدث الإصابة بضربة الشمس نتيجة فشل في التحكم في هرمونات في الدماغ في منطقة من المخ تسيطر على وظائف جسدية كالعَـرق.
وتقول خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة: «تحدث الإصابة بضربة الشمس إذا ارتفعت درجة الحرارة فوق 40 سليزية، وهي تعوق الخلايا وأنظمة الجسم عن أداء وظائفها الاعتيادية».
وتضيف خدمة الصحة الوطنية: «مَن يتعرضون لذلك قد يجدون أنفسهم يتنفسون بسرعة ويشعرون بالصداع والفتور والارتباك وقد يصل الأمر إلى فقدان الوعي. وإذا لم تُتخَذ خطوات علاجية، فقد يتطور الأمر إلى فشل في قيام العديد من الأعضاء بوظائفها والوفاة».

الوفاة
يلقى آلاف الأشخاص سنوياً من إندونيسيا إلى المكسيك حتفهم جراء مشكلات تتعلق بالقلب والصحة بشكل عام.
يمكن عبر الحفاظ على درجة حرارة الجسم منخفضة الوقاية من مشكلات تنجم عن ارتفاع درجة حرارة الجو
يقول محمد ييف: «يمكن أن يموت الناس في غضون ساعات قلائل إذا تخطت درجات حرارة المحيط حاجز 38 إلى 42 درجة في ظل معدلات رطوبة مرتفعة، وفشل الجسم في التكيف مع تلك الظروف».
ويمكن عبر تقليص كمية الوقت المقضي في أنشطة خارج المنزل تحت الشمس مباشرة، وعبر استهلاك كميات كبيرة من المياه والحصول على فترات راحة متقطعة – يمكن لذلك أن يساعد الجسم في التعافي السريع.
تقول منظمة الصحة العالمية: «يمكن أن تحدث الوفاة والنقل إلى المستشفى جراء التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة بسرعة شديدة (قد يكون في اليوم نفسه)، أو قد يظل الأثر (لأيام عديدة) قد تنتهي إلى تعجيل الوفاة أو تردي حالة المرضى».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة