فاضل عبدالله القيسي
الرمز هو كل إشارة أو إيماءة تبلغ معنى معينا، أ و علامة حسية تدل على معنى تصوري قائم بذاته، فتحل محله وتؤدي معناه ومفهومه، كرمز الميزان للعدالة والحمامة للسلام وتوظيف الرمز في الفلم السينمائي يختلف عنه في جنس الأدب وخصوصا اننا نعرف ان السينما فن تركيبي، أي أنها تشتمل الأدب والفن التشكيلي والمسرح والموسيقى وغيرها من الفنون، ولهذه الحقيقة أهمية خاصة في فهم بعض التساؤلات التي يطرحها الجمهور حول الافلام والتي تتعلق بفهم السينما عموما.
أن اعتماد السينما على الأدب خصوصا. واعتياد الناس على الأدب من قبل، ساعد الى حد بعيد على عدم بلورة مفهوم متكامل للسينما عند الكثيرين من الناس ومن ضمنهم المثقفين، هذا الاعتماد ـــ أي اعتماد ــالسينما على الأدب ولد قضية توظيف الرمز في الفيلم والتي شكلت عائقا مهما في تشكيل مفهوم محدد للسينما وفي تبسيط صورتها أمام الجمهور، وهناك بالطبع قضايا مهمة أخرى
ونعود هنا الى التساؤل الذي يطرح عادة لدى مشاهدة فيلم ما :(الى ماذا يرمز هذا ؟؟)
يختلف الرمز في الأدب عنه في السينما وحتى على صعيد الأدب فهنالك نماذج لاستعمال الرمز في الأقل من ناحية الشكل هو اعتمادها جميعا على اللغة ووسيلتها الكلمة.
أما في السينما فأن الرمز يعتمد على واقع الصورة , أي أن نرمز للشيء بنفسه ،بينما الأدب له وسائل تعبير أخرى للترميز ولكن المشاهد الحالي ــ القارئ سابقا ــ أعتاد على رمزية الأدب خصوصا بعد ظهور المدرسة الرمزية في الأدب ونقل اعتياده ذاك ليسقطه على الفيلم السينمائي الذي لا يخلو هو الآخر من رمزية ولكن بصورة ابسط مما هي في الأدب.
منذ بدايات السينما كما في فيلم أيزنشتاين (الاضراب)والذي استخدم فيه المخرج مجموعة من الرموز، بدءا من الديدان التي تغزوا اللحم وبالقس الذي يطرق على كفه بالصليب وغيرها ،ومرورا بافلام فلليني وروسيليني وجان لوك جودار واكيرا كوراساوا، وحتى في السينما العربية وظف الرمز توظيفا كبيرا خصوصا في أفلام يوسف شاهين وصلاح ابوسيف وشادي عبد السلام. وحتى في السينما التجارية كما يصطلح عليها جاء الرمز من قبيل تلاطم امواج البحر كناية عن اضطرام الحالة النفسية أو مشهد الحصان كناية عن الشبق الجنسي، وقد تكررت هذه المشاهد وغيرها الكثير.
أما في الادب الروائي وكما قلنا سابقا فتتعدد نماذج الرمز فقد يكون الرمز في الثيمة النهائية للرواية كما في روايةــــ حين تركنا الجسر ــ لعبدالرحمن منيف حين يقول زكي النداوي بطل الرواية بعد اصطياده للطائر وبعد ان يكتشف انه مجرد بومة:(كانت بومة ولكنها أبشع بومة)..ترميزا لنكسة حزيران 1967…ولكن الرمز يختلف في رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ الذي رمز(بفتح الراء وتشديد الزاي)الشخوص المقدسة جاعلا اياها بشرا عاديين معطيا الذات الالهية مسمى الجبلاوي وكذا مع سائر الانبياء الذين تناولهم في روايته ،وأستخدم الكثير غيرهما من الكتاب طرائق شتى للترميز.
لكي نفهم الرمز في السينما علينا أن نفهم طبيعة السينما اولا، وفهم المنهج العام للفلم بما فيه من افكار اساسية وثانوية، فالفلم يبدأ عادة من كاتب السيناريو أو المخرج ..حين يسأل نفسه عن هدفه النهائي من هذا الفلم ، ليتحول بعد ذلك الى صور مرئية على الشاشة ولتجعل المشاهد يسقط أفكاره ورؤاه على الفيلم وقد يكون البعض منها غير مطروح من قبل المخرج وكاتب السيناريو.
أن مستوى وعي المتفرج ونوعية تركيبته الاجتماعية والنفسية ونوعية اهتماماته، من العوامل المهمة في التلقي ، لأنه وبسبب من ظروف معينة خاصة وذاتية جدا تستأثر فكرة جزئية ما على تفكيره واحاسيسه فينسى للسبب ذاته بقية الافكار في الفلم.
من كل ذلك نخلص الى أن الرمز في الرواية هو أصيل فيها منذ البدايات الاولى لهذا الفن السردي، أما في السينما فهو مختلف باختلاف هذا الفن الصوري أولا عن الفن الكتابي، فالسينما بوصفها الفن السابع ،أصبح الرمز فيها اكثر وضوحا بحكم كونها فنا جماهيريا يخاطب كل شرائح المجتمع.