صادق الازرقي
لن اتسرع في الحكم على اداء الوزراء الجدد، الذين اختيروا للتشكيلة الوزارية الجديدة، برغم انني لست متفائلا منذ اليوم الاول الذي شكلت فيه الوزارة؛ بل قبل ذلك بكثير، لأن مباحثات تشكيلها وما اسفرت عنه، كانت تجري على وفق المبدأ عينه الذي شكلت في ضوئه الوزارات السابقة منذ عام 2003، ونعنى به مبدأ “المحاصصة”، الذي طوروا تسميته الى “التوافق” ثم طوروه مؤخراً الى “الشراكة”، وجميعها تعني شيئاً واحداً؛ ان الكفاءة نُحيت من اجل الانتماء الديني او المذهبي او القومي، ولسنا محتاجين الى اعادة التذكير بالكوارث التي جلبها ذلك التقسيم وتلك التصنيفات.
اقول، علينا ان نتفاءل ونقول، ان العبرة بالنتائج، فلن تكفي بعد الآن الخطب المنمقة عن المصلحة العليا او اللحمة او قيم الفضيلة؛ لأن التحدث بتلك القيم والمصطلحات من دون مشروع انساني حقيقي يحفل بالعدالة والمساواة، سيكون مرة اخرى ضرباً من الدفع بالناس والبلد نحو الهلاك.
يتحدث قادة وسياسيو العالم المتحضر قليلا، بل تكاد لا تسمع اصواتهم، الا لماماً ولكن فعلهم كبير، وهم يقودون دولا يبلغ نفوس كل منها عشرات او مئات الملايين؛ فيفعلون الأعاجيب، ويصنعون المعجزة تلو المعجزة، فتكون نتائج افعالهم لا اقوالهم هي الحكم على منجزهم و رقيهم وانسانيتهم؛ فترتقي شعوبهم ودولهم بدورها الى مستويات عليا من بحبوحة العيش، و يزداد تحضرها وتنعدم فيها الصراعات الاجتماعية او تكاد، حتى ان العالم الذي كان يصنف على انه “رأسمالي” التفت الى تلك المعضلة وحلها بتحقيق العدالة، وتلبية متطلبات الشرائح الفقيرة من السكان، و اعطى كل ذي حق حقه؛ فانعدمت لديهم التوترات المجتمعية، وغاب في معظمها العنف المسلح، وحتى “اليسار المسلح”، الذي كان يجد في فقر الناس اسباباً لثورته على تلك الانظمة، انتهى وحل نفسه، بعد ان زالت تلك المسببات بتحقيق العدالة الاجتماعية.
اما نحن، وبمناسبة التشكيلة الوزارية الجديدة، فان علينا ان نعمل لمصلحة الناس اكثر مما نتحدث، وهو الامر الذي برع معظم مسؤولينا فيه، وكأنهم في مسابقات للكلام والحديث؛ وليس بصدد بناء البلد وتطويره؛ لذا برأيي ان المقياس في المقبل من الايام هو نتائج افعال الوزراء، وليس كلامهم واحاديثهم المشبعة بالأحلام، وهو ما أتقنه وزراء الحكومات السابقة من دون ان يقدموا شيئاً حقيقياً للبلاد؛ فازداد الفقراء فقراً، وظلت اغلبية السكان من دون منازل، وتراكمت اعداد العائلات في البيت الواحد، الذي لم ينفع تقسيمه الى بيتين، كما ازدادت اعمال العنف المسلح في ظل انهيار معنويات الناس، الذين رأوا ـ وليس ذلك تسويغا ـ ان البلد يخذلهم، كما ان سياسييه يقودونهم الى الهاوية؛ فما عادوا يتحمسون للدفاع عنه، وهو ما انتبه اليه رئيس الوزراء حيدر العبادي، حين عرض منهاجه الحكومي اذ قال ان “الاصلاح الحكومي من شأنه تحقيق هدفين وهما الارتقاء بالمستوى الاداري والتصدي لمظاهر الفساد لأهمية ذلك في تعزيز العلاقة بين الجماهير والحكومة والتأثير المباشر لذلك على الامن”؛ فهل نشهد الخلاص، من دون ادعاءات، ونسلك الطريق السليم؟!