وسام صابر
«فيرونيكا تقرر أن تموت» رواية للكاتب البرازيلي باولو كويلو فيرونيكا شابة في مقتبل العمر، وبالرغم من حياتها المستقرة نوعا ما من ناحية الوظيفة والعائلة والعلاقات العاطفية، لكنها مثل أبناء جيلها دائما يعيشون قلقا وحزنا، متذمرين من كل ما حولهم، واليأس متمكن منهم، لذلك تقرر أن تضع حدا لحياتها ما دامت هذه الحياة رتيبة مملة، فلا جدوى ولا جديد فيها !
تتناول فيرونيكا مجموعة من حبوب الفاليوم، لتنهي حياتها بطريقة لائقة أكثر من أن تقتل نفسها بمسدس، أو برمي نفسها من بناية شاهقة، فذلك من شأنه أن يحطم جمجمتها ويؤلم والديها حسب تصورها! لكنها تتفاجأ بعد كم يوم عندما تجد نفسها في مستشفى للأمراض النفسية، ولم تنتقل للعالم الآخر كما كانت تأمل.
أخبرها الأطباء أن الحبوب التي تناولتها أتعبت قلبها لذلك سيتوقف قلبها قريبا وتموت، فتعيش بهذا الهاجس مع مجموعة من المرضى النفسيين والمجانيين الوقت المتبقي لها في هذه الحياة.
تندمج معهم وتشعر بهم بمخاوفهم وآلامهم وتحاول أن تعيش أيامها بسعادة طالما أفتقدتها وتمنتها، بعد أن اقتنعت أن ما كانت تعانيه لا يعد شيئا مقارنة بحياة هؤلاء ومعاناتهم.
تكتشف فيرونيكا ذاتها، هناك، وتعيش مشاعر لم تكن تسمح لنفسها يوماً أن تتملكها، الضغينة، والخوف، والفضول، والحب، والرغبة. وتكتشف، أن كل لحظة من لحظات وجودها هي خيار بين الحياة والموت، إلى أن تغدو في آخر لحظاتها، أكثر إقبالاً على الحياة من أي وقت مضى.
تحزن لأن حياتها على وشك النهاية بعد أن أحبت زميلها ذلك الشاب الوسيم المصاب بالشيزوفرينيا، والذي يعشق عزفها على البيانو، فتهرب معه خارج المستشفى لترى الناس والمدينة بمنظار مختلف عما كانت تراه، ممنية النفس بأيام أخيرة سعيدة ومفرحة. قالت بحماسة أريد أن يكون آخر أيامي في الساحة وبأحضان من أحببت، وعندما تستيقظ في صباح اليوم التالي وترى أنها لم تمت كما كانت تتصور، يقول لها حبيبها الشاب فرحا (لقد منحك الله يوما اضافيا). لم تعلم أن الطبيب أخبرها بعلة في قلبها لكيلا تعاود الكرة وتنتحر مرة ثانية، مثل ما يفعل البعض ممن تفشل محاولاتهم الأولى بقتل أنفسهم.
يطرح باولو كويلو في هذه الرواية أسئلة جوهرية يردّدها الملايين من الناس يومياً: «ماذا أفعل في حياتي هذه؟ ولماذا أستمر في العيش؟». ففيرونيكا مثال على هؤلاء، تملك كلّ ما يمكن أن تتمناه أي فتاة في هذا العالم من الصبا والجمال، والعشاق الوسيمين الذين يتوددون اليها، والوظيفة المريحة التي يطمح اليها الكل، والعائلة المُحبّة التي يفتقر اليها الملايين، غير أن ثمة فراغاً عميقاً بداخلها، يتعذّر ملؤه. ما دفعها الى اتخاذ قرار الانتحار.
في هذه الرواية، يقودنا باولو كويلو في رحلة للبحث عمّا تعني ثقافة تحجب نورها ظلال القلق والروتين الموهن. وفيما هو يشكّك في معنى الجنون، نراه يمجّد الفرد الذي يضيق به ما يعده المجتمع أنماطاً سوية. إنها صورة مؤثّرة لامرأة شابة تقف عند مفترق اليأس والتحرّر، يغمرها الإحساس بأن كل يوم آخر، فرصة متجددة للحياة، قد تكون رواية باولو كويلو هذه فرصة لمن يشعر بالضياع والتيه اما فوضى وصخب الحياة ولا جدواها الذي يؤلم ويحزن العديد من الشباب، كي يستثمر كل لحظة من حياته لعمل شيء مميز، شيء يمكن ان يضفي بعض الحماسة لحياته، وقد يفضي الى جدوى عظيمة منها.
اقتباسات من الرواية
• كانت متعالية على الأشياء الصغيرة وكأنها تحاول أن تثبت لنفسها كم هي قوية وغير مكترثة في حين كانت في الواقع امرأة هشة
• الحياة لعبة
عنيفة هذه الحياة، هي أن ترمى بنفسك من مظلة وأن تجازف، ان تسقط وتنهض من كبوتك الحياة. الحياة هي أن تتسلق الجبال لتحاكى الرغبة في تسلق قمة النفس وان لم تتوصل إلى ذلك، فعليك أن تعيش قانعا ذليلا.
• إن كل منا فريد، يملك صفاته الخاصة، وغرائزه، وأنواعا من اللذة يستمتع بها، ورغبة في خوض المغامرات. غير أن المجتمع يفرض علينا دوما طريقة جماعية في السلوك، ولا يكف الناس يتساءلون لمَ عليهم التصرف على هذا النحو. هم يتقبلون ذلك بكل بساطة.
• حتى إذا سمحوا لها أن تمارس ما يحلو لها من جنون، فلن تعلم من أين تبدأ. ذلك أنها لم تتصرف يوما بجنون.