المسرح.. مرآة الحياة

في كل عام ومع اطلالة الربيع، تضاء المسارح وتتوهج الرؤى والأفكار، يتسابق المبدعون لنثر عطائهم، تتوزع الاجساد وتصدح الكلمات وسط بهرجة الازياء وحراسة الديكور وهدهدة الموسيقى، انه يوم المسرح العالمي، قد يختلف الناس على وجه البسيطة في كل الأمور، لكنهم يتفقون بالمسرح، بعالميته، وبآدميته، وبجماله، وبإنسانياته، بكل ما يضمه من سحر والق.
اثنان وتسعون بلدا ومنها عراقنا الحبيب تحتفل كل عام بهذا اليوم البهي، (92) بلدا تغمرها السعادة بان لديها مركز وطني للمسرح، يرتبط بالمعهد الدولي للمسرح، 27 آذار من كل عام يوم مميز، حيث يحتفل المسرحيون في جميع أنحاء العالم في هذا اليوم كل عام، بعيدهم الذي يُعرف بـ (يوم المسرح العالمي)، يتبادلون التهاني في قاعات المسارح، وعلى خشباتها، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، يعبّرون عن سعادتهم وتطلعاتهم إلى الارتقاء بفن المسرح بوصفه واحدا من أعرق الفنون وأعظمها فهو (ابو الفنون).
في هذا اليوم ونحن نحتفي بيوم مميز، عيد متفرد يختلف عن كل المناسبات، عيد ايامه مطرزة بتحرر الروح وتدفق المشاعر والاماني الإنسانية، انه عيد الانسان في كل مكان، هنا في ارض الحضارات، ارض الرافدين، للمسرح مكانة خاصة في النفوس، ولأنه مرآة للحياة، عاكسة لما نعيشه من افراح واتراح، ما مر بنا انعكس على المسرح وحيويته وتواصله، لكن حال المسرح كحال شعبنا الطيب المكابر، المكافح من اجل الحرية والسلام ،خفتت الأضواء، لكنها رويدا رويدا بدأ توهجها يعود ليمسح بالأمل خشباته ونفوسنا، في العيد الواحد والسبعون ليوم المسرح العالمي تحية لكل مسرحيي العالم ،تحية لمسرحيي العراق من شماله الى جنوبه .

ولادة يوم المسرح العالمي
ولد يوم المسرح العالمي إثر مقترح قدّمه رئيس المعهد الفنلندي للمسرح الناقد والشاعر والمخرج الراحل أرفي كيفيما (1904- 1984)، إلى منظمة اليونسكو في حزيران عام 1961، وجرى الاحتفال الأول به في 27 آذار 1962 في باريس تزامنا مع افتتاح مسرح الأمم، واتفق على أن يكون تقليدا سنويا يتمثل بأن تكتب إحدى الشخصيات المسرحية البارزة في العالم، بتكليف من المعهد الدولي للمسرح، رسالة دولية تترجم إلى أكثر من 20 لغة، وتُعمّم إلى جميع مسارح العالم لتُقرأ خلال الاحتفالات التي تُقام لهذه المناسبة، وتُنشر في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
وكان الكاتب الفرنسي جان كوكتو أول شخصية اختيرت لهذا الغرض في احتفال العام الأول بباريس، وتوالت على كتابتها منذ ذلك العام أكثر من خمسين شخصية مسرحية من مختلف دول العالم منها أرثر ميلر، لورنس أوليفيه، بيتر بروك، بابلو نيرودا، موريس بيغارت، يوجين يونسكو، أدوارد ألبي، ميشيل هافل، سعدالله ونوس، أريان منوشكين، سلطان القاسمي، روبير لوباج، أوغستو بوال، جيسيكا أ. كاهوا، كريستوف فارليكوفسكي، أناتولي فاسيليف، وإيزابيل هيوبرت.

المركز العراقي للمسرح
بعد انبثاق المركز العالمي للمسرح عام 1962، سارعت غالبية الدول الى فتح فروع لهذا المركز في بلدانها والارتباط بنحو مُباشر بنشاطاتهِ وفعالياتهِ، والتي تتركز على التعريف بالنشاطات المسرحية الوطنية منذ أواسط الستينيات.
وكان المركز العراقي للمسرح من اوائل المراكز التي تشكلت لهذا الغرض ومن اجل ذلك عقدت اجتماعات عدة، بحثت خلالها مبررات تشكيل المركز وقبل أن يتم اعلانه رسميا في اليوم الخامس عشر من كانون الثاني عام 1969، حقق مسرحيو العراق أول احتفال لهم بيوم المسرح العالمي، عندما اجتمعوا في معهد الفنون الجميلة في 27 آذار عام 1966 استجابة لنداء لجنة الفنون والآداب في منظمة اليونسكو، وناقشوا قضايا عديدة تتصل بالحياة المسرحية في العراق كالتأليف والجمهور وعلاقة الدولة بالمسرح.
وبين عامي 1966 1969 تدارس عدد من المسرحيين العراقيين، مخرجون وممثلون وكتاب ونقاد وفي فترات متباعدة ومتقاربة، وعملوا من اجل (مركز عراقي للمسرح).
وحسب الباحث الراحل احمد فياض المفرجي في كتابه (الحياة المسرحية في العراق ) فقد شكلت في العام 1969 أول لجنة عراقية رسمية لإدارة هذا المركز ضمت كلا من السادة : عزمي الصالحي، و بهجت شاكر، ود عزيز شلال، ود .علي الزبيدي، وسامي عبد الحميد، و زكي الجابر، وسلام علي السلطان، وجاسم العبودي، وأمسى السيد عزمي الصالحي المدير العام لمصلحة السينما والمسرح في ذلك العام سكرتيرا للمركز العراقي للمسرح.
وفي عام 1971 أصبح الفنان يوسف العاني سكرتيرا له، وبعد أن تم الاتصال بالمركز العالمي للمسرح وتثبيت عضوية المركز العراقي للمسرح فيه حرص العراق على المشاركة في اجتماعات المركز الدولي بوفد يختاره المركز العراقي للمسرح وأن يفي بكل التزاماته كعضو فاعل وتوثيق علاقته بالمراكز الوطنية الأخرى، وتم اختيار الفنان يوسف العاني عضوا في اللجنة التنفيذية للمركز الدولي خلال المؤتمر العشرين المنعقد في برلين عام 1983.
وعلى الصعيد الوطني اعتاد المركز العراقي للمسرح الاحتفال باليوم العالمي للمسرح الذي يحل في اليوم السابع والعشرين من آذار كل عام، وتتلى رسالة المركز العالمي فيه، وتقدم المسرحيات من الفرق المسرحية والمؤسسات الفنية فيه.
وتولى المركز العراقي تكريم الرواد والمبدعين على وفق معايير تؤكد الريادة والإبداع وهي: البداية والمواصلة، وعمق التأثير، وتولى المركز العراقي للمسرح دعم الفرق التمثيلية العاملة بتقديم معونات مالية لهم، وتقويم الأعمال المسرحية في كل موسم، ومنح الجوائز لأفضل محققي عناصر العرض في التأليف والإخراج، والتمثيل والديكور والإنارة والأزياء، كما جرت العادة على فتح الصالات مجانا للجمهور وإقامة المعارض الخاصة بالمناسبة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة