هاني حبيب
كانت اللجنة المركزية لحركة «فتح» قد أوصت لدى اجتماعها في نهاية كانون الثاني الماضي، بتشكيل حكومة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية على أن يرأسها أحد أعضاء اللجنة المركزية للحركة، وعلى الأثر، قبل الرئيس محمود عباس استقالة حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله وكلفها بتسيير أعمال الحكومة إلى حين الإعلان الرسمي عن تشكيل الحكومة الجديدة. وفي العاشر من آذار الجاري، كلف الرئيس الدكتور محمد شتية بتشكيل الحكومة الثامنة عشرة، كتاب التكليف الذي تضمن مهام الحكومة الجديدة، تجاهل هوية هذه الحكومة التي تضمنها توصيات اللجنة المركزية للحركة، حكومة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، أي حكومة وحدة وطنية تخلف حكومة الوفاق الوطني. وفي ذات الوقت اشار شتية في أول تصريحاته بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، أن حكومته ستضم كافة شرائح المجتمع الفلسطيني، ومن شتى الفصائل والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية ورجال الأعمال، في الوقت الذي امتنعت أهم فصائل المنظمة، خاصة الجبهتين: الشعبية والديمقراطية، واعترضتا على تشكيل حكومة جديدة، لأسباب عرضتاها في سياق تبرير موقفهما، ما يعني أننا لسنا بصدد حكومة وحدة وطنية، بل حكومة أقرب ما تكون إلى حكومة الوفاق التي شكلها رامي الحمد الله منذ سنوات خمس، وإذا عرفنا أن مهام حكومة الوحدة هي غير مهام حكومة الوفاق، لأدركنا أنه لم تكن هناك حاجة عملية لتشكيل حكومة جديدة.
كانت إحدى مهام حكومة الحمد الله، إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وهي ذات المهام المناطة بالحكومة الجديدة مع صياغات مختلفة، تم إفشال الحكومة السابقة في تحقيق هذا الهدف، لأسباب لا تزال تعيق الوصول إليه، بل ان هناك العديد من العقبات الإضافية التي تحول دون تحقيقه، علماً أن عملية المصالحة بحد ذاتها، ليست في إطار إمكانيات أية حكومة، فالأمر يتعلق بالعلاقات السياسية بين حركتي فتح وحماس والحكومة أداة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، خاصة وأن هذه العملية من جانب السلطة الوطنية الفلسطينية، تتسلمها منظمة التحرير الفلسطينية، من خلال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، عزام الأحمد، وعليه فإن ما لم تتمكن حكومة الحمد الله من تحقيقه في هذا الإطار، لن يكون بمقدور الحكومة الجديدة الوصول إليه.
أعلن الرئيس عباس أواخر كانون الأول الماضي عن حل المجلس التشريعي والدعوة إلى عقد انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر، وإذا افترضنا أن «شتية» سينجح في تشكيل حكومته العتيدة أواخر الشهر الجاري، فإنه يتبقى ثلاثة أشهر على الموعد النهائي لإجراء الانتخابات التشريعية، وعليه فإن الوقت أمام الإعداد الجديد لهذه الانتخابات محدود للغاية، وطالما أن إحدى أهم مهام حكومة الحمد الله، الإعداد لانتخابات تشريعية، فالأصحّ من وجهة نظرنا، أن تستمر هذه الحكومة في إعدادها لهذه المهمة، خاصة وأن الأعراف الدستورية، والنصوص القانونية، تدعو الى استقالة الحكومة إثر اختتام وظهور نتائج الانتخابات التشريعية، أي كان بالإمكان الانتظار إلى ما بعد الانتخابات التشريعية، لكي تستقيل حكومة الحمد الله، للتمهيد لبداية دستورية جديدة، ومع أننا ندرك أن من صلاحيات الرئيس إقالة أو قبول استقالة، وتشكيل حكومة جديدة في أي وقت يراه مناسباً في سياق المصلحة الوطنية، إلاّ أننا كنا نفضل الإبقاء على حكومة الحمد الله للشهور الثلاثة القادمة.
في ضوء هذه المعطيات السريعة، فإننا نرى أنه لم تكن هناك حاجة لتشكيل حكومة جديدة في هذه المرحلة، مع إدراكنا أن الحكومة الجديدة، من شأنها معالجة ثلاثة تحديات جديدة: نتائج الانتخابات الإسرائيلية، الإعلان الأميركي عمّا تبقّى من «صفقة القرن»، إضافة إلى الحصار المالي الممنهج إسرائيلياً وأميركياً، وهي مهام عدا كونها تعكس تحديات مصيرية، إلاّ انها تشير إلى مدى قدرة الحكومة الجديدة على التصدي لها، ما يستوجب وقوف الكل الوطني، لدعم أعمال هذه الحكومة وجهودها، بصرف النظر عن ملاحظاتنا السابقة!
ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية