مشكلة الهند مع الصين في باكستان

شاشي ثارور

نيودلهي

لا يسع المرء إلا أن يأمل في أن يتم تخفيف حدة التوترات الأخيرة بين الهند وباكستان سلميا، والتي اندلعت بعد الهجوم الإرهابي الشهر الماضي الذي أسفر عن مقتل أكثر من 40 من قوات الأمن الهندية، وإصابة آخرين في منطقة بولواما بولاية جامو وكشمير الشمالية. وعلى الرغم من انتهاء الأزمة الحالية، فإن الصراع بين البلدين قد ألقى الضوء على بلد ثالث: الصين.
أثار الهجوم الأخير في ولاية جامو وكشمير، التي تقع على الحدود مع باكستان، تساؤلات جديدة بشأن استمرار حماية الصين لجماعة «جيش محمد» الإرهابية التي تتخذ من باكستان مقرا لها. وقد أعلنت جماعة «جيش محمد» مسؤوليتها بعد وقت قصير من تفجير قافلة تضم 78 حافلة تنقل نحو 2500 عنصرا من قوات الشرطة الاحتياطية، والذي نفذه مفجر انتحاري يبلغ من العمر21 عاما، من خلال تفجير نحو 300 كيلوغرام من مادة RDX المُتفجرة.
لدى الهند تاريخ مهين مع مؤسس وزعيم جماعة جيش محمد، مولانا مسعود أزهر، الذي أطلق سراحه من سجن هندي في عام 1999، إلى جانب إرهابيين آخرين، في مقابل تحرير المسافرين الذين كانوا على متن رحلة الخطوط الجوية الهندية التي اختطفها الإرهابيون الباكستانيون وقاموا بتحويل وجهة سيرها إلى (قندهار) معقل حركة (طالبان) في أفغانستان. (كان أحد الذين أفرج عنهم مع مسعود أزهر مسؤولاً عن مقتل الصحفي الأميركي دانييل بيرل لاحقاً). ثم قامت جماعة جيش محمد بشن عدة هجمات إرهابية على الهند، بما في ذلك هجوم عام 2016 على قاعدة للجيش في بلدة أوري، وجامو وكشمير، والذي أسفر عن مقتل 19 جنديا. وقد أطلقت الهند ردا على ذلك «هجمات شديدة الدقة»، والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، على معسكر تدريب تابع لحركة جيش محمد.
على الرغم من أن باكستان تحارب بعض الإرهابيين الإسلاميين المتشددين (سيما ما يسمى بحركة طالبان الباكستانية، التي تسعى للإطاحة بحكومة باكستان)، فإنها تسعى أيضًا إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال رعاية وتدريب وتجهيز وتمويل الجماعات الإرهابية التي تهاجم مستهدفين في الهند وأفغانستان، وإيران. بعد صراع باكستان المروع مع الإرهاب، يتمركز مسعود أزهار وجيش محمد في مدينة باهاوالبور بشكل علني، حيث يديران معسكرات تدريب ومعسكرات مسلحة في عدة مواقع، بما في ذلك بالاكوت (التي استهدفها سلاح الجو الهندي في غارة جوية في 26 فبراير / شباط).
يقوم زعيم جيش محمد مسعود أزهر بالتجول والتحدث بحرية في جميع أنحاء باكستان، حيث يتباهى بأعماله الإرهابية، كما يفعل حافظ سعيد، رئيس جماعة لشكر طيبة، والعقل المدبر لهجمات «26/11» التي قتلت 166 مدنيا في مومباي عام 2008. في الواقع، تحاول الحكومة الهندية معاقبة أزهر بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1267، والذي يخول للحكومة تجميد حساباته المصرفية وحظره من السفر خارج باكستان. ولكن على الرغم من أن 14 من أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر يؤيدون مثل هذا الإجراء، إلا أن الصين، الحليف القوي لباكستان، عارضت تنفيذه ثلاث مرات.
إن أسباب تعنت الصين واضحة للغاية. من المعروف أنها «حليفة» باكستان في جميع الأحوال، وهي ترى أن ذلك يساهم في توازن القوى المفيد للهند. علاوة على ذلك، تعد باكستان عنصراً أساسياً في مبادرة الحزام والطريق (BRI) الصينية، وهي محور مشروع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني (CPEC) الذي سيربط غرب الصين بميناء جوادر على ساحل بلوشستان في باكستان.
سيكون مشروع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني البالغ تكلفته 66 مليار دولار، عند نهايته، أكبر مشروع منفرد للتنمية في الصين، وسيقلل تكاليف نقل التجارة الصينية مع الخليج الفارسي بأكثر من النصف. بالنسبة للصين، يعد هذا المشروع مهما من الناحية الاقتصادية، كما سيضمن وجود باكستان في الحسابات الجيوسياسية للصين لمدة طويلة مقبلة.
على الرغم من انضمام الصين بصدق إلى الأصوات العالمية التي أدانت التفجير الانتحاري في 14 فبراير/ شباط، إلا أن حكومتها أوضحت مرة أخرى أنه ليس من المستعجل التراجع عن فرض عقوبات على مسعود أزهر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جينغ شوانغ في خطاب له «لقد صُدمنا بشدة من هذا الهجوم. وإننا نعرب عن تعازينا العميقة وتعاطفنا مع عائلات الضحايا»، لكنه أشار بشكل غريب إلى إجراء الأمم المتحدة لإعادة تأكيد موقف حكومته.
تعرض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي سيخوض انتخابات وطنية في أبريل/ نيسان القادم، لضغوط محلية كبيرة للتصرف بحسم ضد جيش محمد. في حدث عام بعد فترة قليلة من حادث بولواما، قال مودي: «هناك الكثير من الغضب والاستياء، دماء الناس تغلي … سنقوم بالرد المناسب، لن نسمح لجارتنا بزعزعة استقرارنا. وسنقدم للعدالة الجماعات التي تسببت بالهجوم”.
وقد يساهم إسقاط طائرة هندية والقبض على الطيار وإطلاق سراحه بعد ذلك في تصاعد الأزمة من جديد. ولكن على الرغم من أن البلدين قد وصلا إلى شفا الحرب، فقد اعتمدت الهند الخيار الدبلوماسي.
وقد تراجعت رغبة الهند في «عزل» باكستان دوليًا بسبب دعمها للإرهاب اثر الدعم الصيني الكبير للحكومة في إسلام أباد. لدى بلدان أخرى أيضا أسباب ثنائية لعدم عزل باكستان. تحتاج الولايات المتحدة إلى باكستان بسبب أفغانستان، وخاصة كقناة للتفاوض على صفقة مع حركة طالبان الأفغانية.
ومع ذلك، يشعر مودي بالأسف إزاء دعم الصين المستمر لباكستان، من خلا اتفاقية «ووهان» التي زعم أنه أقامها مع الرئيس الصيني شي جين بينغ بعد قمتهما في العام الماضي في بكين. عندما كان مودي زعيم المعارضة، انتقد بشدة حكومة الهند بسبب استرضائها المزعوم للصين. ولكن منذ أن أصبح رئيساً للوزراء، استمرت الصين في منع دخول الهند إلى مجموعة بائعي المواد النووية. كما لم يتمكن مودي من منع الصين من إدارة مشروع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني عبر الجزء الذي تسيطر عليه باكستان في منطقة كشمير (التي تعدها الهند انتهاكًا لسيادتها) أو إعادة تأكيد مطالبتها بولاية أروناشال براديش الهندية (التي تعدها الصين «جنوب التبت»). واليوم، أصبحت قمة ووهان، التي لم تكن سوى تصريحات صحفية، في خبر كان.
في العام الماضي، أصدرت اللجنة الدائمة المعنية بالشؤون الخارجية التابعة للبرلمان الهندي (التي أترأسها) تقريرا عن العلاقات الصينية-الهندية حيث أظهرت حذر حكومة مودي الواضح حيال العلاقات الصينية، وجادلت بأن الهند لا يمكن أن تستمر في اعتماد «سياستها الخارجية التفضيلية تجاه الصين».
في أعقاب هجوم بولواما، طالبت الولايات المتحدة باكستان «بإنهاء الدعم الفوري والملاذ الآمن لجميع الجماعات الإرهابية»، وعملت المملكة المتحدة وفرنسا على رفع «بيان رئاسي» في مجلس الأمن يدين هجوم التفجير الانتحاري والعمليات الإرهابية لجيش محمد. على الرغم من اعتراض الصين في البداية، فقد أعادوا إدراج مسعود أزهر في القائمة السوداء، وهي عملية تعطي الأعضاء حتى 13 مارس / آذار لاتخاذ موقف واضح. لا نشك في كيفية تصويت أربعة عشر دولة. وهل ستستمر الصين في دعمها لأكبر حركة إرهابية في العالم؟

شاشي ثارور وكيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة والوزير الهندي الأسبق للشؤون الخارجية ووزير الدولة لتنمية الموارد البشرية، ويعمل حاليا رئيس اللجنة البرلمانية الدائمة للشؤون الخارجية والنائبة عن حزب المؤتمر الوطني الهندي.
بروجكت سنديكيت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة