سارة فوير
في الأسبوع الثالث من حركة الاحتجاجات التي اندلعت في 22 شباط/فبراير، تتوقع عاصمة أكبر بلد في أفريقيا نزول ما يعادل مليونيْ شخص إلى الشارع في 8 آذار/مارس. فبعد أن انطلقت التظاهرات في الجزائر للاعتراض على الولاية الخامسة المتوقَّعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يبلغ من العمر اثنين وثمانين عامًا، بقيت هذه التظاهرات سلمية إجمالًا حتى الآن، لكن سيزداد احتمال حدوث اشتباكات عنيفة مع قوى أمن الدولة مع تضخّم عدد المحتجّين. وقد تحدد الأيام القادمة إذا ما كان أحد البلدان القليلة التي تفادت اضطرابات الربيع العربي سيسلك مسارًا باتجاه الإصلاح أم سيتدهور لتعمّ الفوضى.
ما سبب الاحتجاجات؟
التظاهرات ليست غريبة عن الجزائر – ففي السنوات الأخيرة، شهد البلد آلاف الاحتجاجات الصغيرة النطاق حول مسائل محلّيّة مثل الحصول على الإسكان والوظائف. غير أن الموجة الأخيرة هي الأكبر والأوسع انتشارًا منذ سنة 2011، حين اجتاحت مجموعة من الانتفاضات جزءًا كبيرًا من الشرق الأوسط.
وتمكّنت الجزائر من تفادي الأسوأ من ذلك الصراع.
ويعود جزءٌ من السبب إلى ذكريات حربها الأهلية التي دامت لعقدٍ من الزمن في التسعينيات والتي يبدو أنها ثبّطت العزيمة على زيادة التعبئة، وأيضًا إلى إسراع الحكومة في استخدام مواردها لزيادة منافع الرعاية الاجتماعية. لكن لا يبدو أن أيًّا من الرادعيْن ينفع اليوم.
كان السبب المباشر الذي أدّى إلى الاحتجاجات الحاليّة، مشهد ترشُّح بوتفليقة لولاية خامسة تمتد على خمس سنوات في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 18 نيسان/أبريل، برغم بقائه بعيدًا عن الأضواء إلى حدٍ كبير منذ أن أُصيب بسكتة دماغية في سنة 2013. وجاء الإعلان الرسمي عن ترشّحه في الثالث من آذار/مارس – بعد أسبوعٍ من سفره إلى جنيف بحسب التقارير لتلقّي العلاج الطبي، وبعد يوميْن من تدفق ما يقارب 800,000 محتجٍ إلى شوارع الجزائر العاصمة للمطالبة بعدم ترشّحه.
أما الأسباب الأعمق التي تكمن خلف الاضطرابات فتعود إلى تصلّب النظام السياسي وتدهور الاقتصاد. فمنذ الحصول على الاستقلال من فرنسا في سنة 1962، حَكَمَ الجزائر تحالفٌ غامض من القادة العسكريين والمسؤولين الاستخباراتيين ونخب رجال الأعمال والسياسيين المعروفين معًا باسم Le pouvoir (السلطة). وعلى مر العقود، انبثقت شرعية هذه الفصيلة إلى حدٍ كبير من واقع أن الكثيرين من أعضائها شاركوا في النضال من أجل الاستقلال.
وبوتفليقة، الذي استلم مقاليد الحُكم في سنة 1999، هو من بين النخب الأخيرة الباقية من ذلك الجيل، ويعود إليه جزءٌ كبيرٌ من الفضل في مساعدة البلاد على بلوغ قدرٍ من الاستقرار بعد الحرب الأهلية التي أودت بحياة حوالى 200,000 شخصٍ. إلا أن قرار تقديم ترشحه مرة أخرى يشير إلى أن النخب الذين يُفترَض أنهم مسؤولون عن اختيار خلَفه كانوا عاجزين عن التوصل إلى إجماع.
علاوةً على ذلك، لا يرتجع كثيرًا صدى الإشارة إلى الكفاح ضد الاستعمار والتحذيرات من العودة إلى «العقد الأسود» للتسعينيات في آذان 70 في المئة من 41 مليون ساكن في الجزائر لم يبلغوا سنّ الثلاثين. فما يعني هذا الجيل أكثر بنحو مباشر هو معدّل البطالة لدى الشباب الذي بلغ 25 في المئة والاقتصاد الذي يزداد سوءًا بانتظام، وهما أمران عجزت أم لم ترغب النخب السياسية في تحسينهما. فتعتمد الجزائر كثيرًا على مردود مبيعات النفط والغاز، التي تشكّل 95 في المئة من عائداتها التصديرية و60 في المئة من مداخيل ميزانيتها. واضطرّت الدولة بسبب هبوط أسعار النفط العالمية في سنة 2014 إلى الاستعانة باحتياطات العملة الأجنبية، التي تراجعت بنسبة 50 في المئة تقريبًا منذ سنة 2011. وفي الوقت نفسه، تحدّ الأحكام التجارية التقييدية من الاستثمار الأجنبي بنحو كبير. لذلك كلُّ من يستلم السلطة بعد هذه الدورة من الانتخابات سيواجه وضعًا اقتصاديًّا ملحًّا بحاجة إلى الإصلاح العميق.
التبعات على السياسة الأميركية
برغم أن علاقة واشنطن مع الجزائر ليست متينة بقدر العلاقة التي تتمتع بها مع البلدان المجاورة مثل المغرب وتونس، ستؤدي إصابة هذا البلد بنوبة جدّيّة من عدم الاستقرار إلى تقويض المصالح الأميركية في المنطقة. فبرزت الجزائر كشريك أساسي لمكافحة الإرهاب في الحملة لإضعاف الشبكات التابعة لتنظيم «القاعدة» في منطقة الساحل إلى الجنوب. ويعتمد الحلفاء الأوروبيون من جهتهم على الجزائر لضمان التدفق المستمر للهيدروكربونات بصفتها مزوّدهم الثالث الأكبر بالغاز الطبيعي، ولتخفيض نسبة تدفق المهاجرين من أفريقيا. كما انضمت الجزائر مؤخرًا إلى محادثات متعددة الأطراف تهدف إلى حل النزاع الذي دام لعقود في الصحراء الغربية.
غير أن استجابتها للاحتجاجات حتى الآن لم تكن كافية لطمأنة الحلفاء بأن هذه الركائز الخاصة بالاستقرار الإقليمي آمنة. فاستبدلت الحكومة مدير حملة بوتفليقة واقترحت في حال فوزه أن يخدم لمدة عامٍ واحدٍ فحسب، وأن يتم عقد مؤتمر وطني من أجل التحضير للانتخابات الجديدة. وتؤكّد هذه التنازلات المقترَحة، مع الاقتراب جدًّا من موعد الانتخابات الراهنة، على الخلل الجدّي في حكومةٍ كان أمامها عدة سنوات من أجل التخطيط لخلافةٍ حتميةٍ لكن اتضح أنها لم تكن بحجم المسؤولية. ونظرًا إلى تقارير اليوم حول الاحتجاجات المتنامية، لن تهدّئ هذه العروض على الأرجح الوضع السائد.
وهكذا، على واشنطن أن تستعد لاحتمال استمرار الاضطراب، وأن تعمل في الوقت نفسه بهدوء مع الحلفاء العرب والأوروبيين على حث الجزائر على وضع خارطة طريق موثوقة للخروج من المأزق، تأخذ في الاعتبار بنحو مناسب هواجس المحتجّين. كما عليها النظر في توسيع قنوات الالتزام لتشمل المحادثات بين «قيادة الولايات المتحدة في أفريقيا» ورئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، الذي سبق أن تعهد بالحفاظ على استقرار البلد وأمنه.
سارة فوير زميلة أقدم في معهد واشنطن.
معهد واشنطن