العراق و رجع الصدى من فيتنام

ستيفن تشابمان *

ترتسم صورة العراق على شكل حكومة فاسدة استجلبت عداء و نفور الكثير من مواطنيها, و وجدت نفسها في مواجهة تمرد متنام لا قبل لها به ضمن حرب اهلية لا نهاية لها, و تتوقع من قوة عظمى على الجانب الاخر من العالم ان تهب لنجدتها. ان تلك تمثل قصة عراق اليوم الذي يحمل بين طياته اصداء تعود بنا الى ماض غير بعيد.
ففي شهر حزيران من العام 1964, و فيما تدهورت الظروف في فيتنام الجنوبية, عمد الرئيس ليندون جونسون الى تطمين الصحفيين انه لم يكن بصدد البقاء قريباً جداً او بعيدا جدا في الوقت ذاته. و قد صرح جونسون في وقتها قائلا «اننا لن نتخلى عن سايغون, لكننا لا ننوي ارسال القوات الاميركية الى هناك.» لقد كان جونسون يراهن على ان المستشارين العسكريين الاميركيين سيكون دورهم مؤثرا بما يكفي لمنع هزيمة الحلفاء الجنوبيين. و بعد نصف قرن على ذلك الكلام, عمد الرئيس اوباما الى تبني النهج ذاته, حيث ارسل مستشارين عسكريين الى العراق ضمن مسعى منه لمنع انهيار القوات العراقية, و من ثم قرر شن ضربات عسكرية جوية و عمليات اغاثة. و ها هو الامل المتحمس في البيت الابيض, مرة اخرى, يحدو الادارة بأن التزاماً صغيراً سيكون كافياً. لكن الاختلاف اليوم يتمثل في ان قرار اوباما يأتي في خضم ما بعد كارثة التدخل الاميركي في العراق قبل اكثر من عقد مضى, و من ثم رحيلها عن هذا البلد, عوضاً العكس كما مع فيتنام. ان الصورة عبارة عن خاتمة و ليست مقدمة.
لكن خطوط التناظر و الالتقاء بين الحربين تبدو اكثر وضوحاً من ذي قبل. كما ان هنالك الكثير مما يمكن استنباطه من ذلك, و من ذلك:
-المبالغة في القوة العسكرية. كان للولايات المتحدة ميزة التفوق التكنولوجي الهائلة, مع الموارد و القوة البشرية في مقابل قدرات فيتنام الشمالية المحدودة و شركائها من الفيتكونغ. و قد تفوق جنودنا مراراً و تكراراً في القتال, لكن النصر ذهب من ايدينا.
لقد حصل الامر ذاته في العراق, حيث تمكنا من تحطيم جيش صدام حسين بسرعة فائقة, الا اننا لم نكن مستعدين لتبعات حرب العصابات التي تلت ذاك الانتصار المدوي. و لذلك, وجدنا انفسنا نحارب ضد العبوات الناسفة و السيارات المفخخة. ان قوات المتمردين ما كانت تملك ادنى فرصة للانتصار و هزيمة الوحدات الاميركية ضمن معارك تقليدية. الا انهم لم يكونوا محتاجين لتلك المعارك و حسب.
-يعد الدافع امراً حاسماً, الا اننا لا نستطيع تقديمه لحلفائنا. لقد امضت الولايات المتحدة ما يقرب من 8 سنوات مع انفاق 25 مليار دولار على مهمة تدريب القوات العراقية, تلك القوات التي تفوق اعداد مقاتلي الدولة الاسلامية في العراق و الشام. لكن حينما شن تنظيم داعش هجومه قبل اكثر من شهرين, ذابت القوات الحكومية كما لو كانت حبيبات سكر في كوب.
لقد تمكن افراد المليشيات من تحقيق الانتصار بالرغم من ان الميزان لم يكن في صالحهم, و برغم العوائق في طريقهم. لكن هذه المليشات كانت تتمتع بميزة واحدة كما تحدث احد القادة العراقيين الى جريدة نيويورك تايمز قائلا «ان مقاتلي تنظيم داعش يريدون الموت, لذلك فأنهم لا يخشون شيئا.»
و بالعودة الى التاريخ, فأن الامر ذاته انطبق على العدو في فيتنام. لقد كان حلفاؤنا الفيتناميون الجنوبيون دون مستوى الاعتماد بالمطلق, فيما قاتل الجنود الشيوعيون بعنف و شراسة برغم الظروف المريعة و الرهيبة. و كما كتب ضابط اميركي سابق شارك في حرب فيتنام و يدعى ستانلي كارنو ضمن كتاب بعنوان «تاريخ فيتنام,» فقد علق بالقول «لكم تمنيت لو ان هؤلاء المقاتلين كانوا الى جانبنا.» و بمجرد رحيل الاميركيين, نظم الفيتناميون الشماليون حملة تستهدف الانتصار بالحرب في غضون عامين. و قد بدا كأن الامر اقل من شهرين.
-ليس بمقدور احد غرس الديمقراطية في ارض جرداء منها في اثناء زمن الحرب. لقد حاولنا فعل ذلك في كلا البلدين, الامر الذي نتج عنه قيام نظام شمولي تمحور بداية على الامساك بالسلطة عوضاً عن البناء على الدعم الشعبي الحقيقي. كما ان نظام الرئيس الفيتنامي الجنوبي نغويان فان ثيو انما سقط لاسباب من بينها ضعف جذور شعبيته بين الناس. و لا يختلف الامر عن وضع الحكومة العراقية التي زرعت الخوف و النفور في قلوب غير الشيعة, و كان لصور الفشل السياسي تلك ان نتجت عنها تلك الكارثة العسكرية المفاجئة.
-لايمكنك الصمود امام خصم يتنامى في موطنه. تكمن مشكلة الحروب في الخارج بأن الاعداء يحاربون في اراضيهم. و لذلك, فليس لديهم سبب للبحث عن دافع للقتال. انهم يقاتلون لان اراضيهم تعرضت للغزو.
كما انهم ليسوا محتاجين لضمان الانتصار, فكل ما يحتاجونه يتمثل في الاستمرار و حسب. و في النهاية, فأن الاميركيين راحلون لانهم يستطيعون الرحيل. فيما لا يمثل الرحيل خياراً لهؤلاء الذين يقاتلون على ارضهم.
لقد ذبلت دروس فيتنام في مخيلة العديد من الاميركيين, إلا أنه بحلول العام 2003, كانت تلك الدروس قد تلاشت اجمالا. و قد كان العراق, من دون الحاجة لذكر افغانستان, دليلا على امكانية استمرار التطبيق ذاته. «يقول الباحث في شؤون الدفاع من معهد ماستشوستس للتكنولوجيا, السيد باري بوسين ضمن كتابه الهائل و المعنون «ضبط النفس: اسس جديدة لاستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى,» يقول معلقاً «لقد انفقت الولايات المتحدة على حرب العراق, من حيث القيمة الحقيقية, اكثر مما انفقت على حربها في فيتنام.» و اضاف بوسين قائلا «بالرغم من قناعة المحللين العسكريين ان الفيتناميين الشيوعيين كانوا اكثر كفاءة, عسكرياً, بكثير من المتمردين العراقيين, الا ان هؤلاء المتمردين العراقيين يبدون اكثر كفاءة بالقتال من غيرهم بكثير.»
ان الانهيار العراقي قد يقنع الرؤساء الاميركيين المستقبليين بضرورة الوقوف ضد مبدأ الحروب البرية على القارات الاخرى. لكن برغم ذلك, فقد ثبت صحة القول المأثور من ان الشيء الوحيد الذي تعلمناه من التاريخ انما كان اننا لم نتعلم من التاريخ و حسب.

*من كتاب «جريدة واشنطن اكزامنر»
ترجمة الهادر المعموري

 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة