ارتفاع مفاجئ للجنيه في مقابل الدولار
الصباح الجديد ـ وكالات:
في وقت ارتفعت فيه تدفقات المستثمرين الأجانب على أدوات الدين المصري، أثار ارتفاع مفاجىء للجنيه أمام الدولار بنحو اثنين بالمئة حيرة المتعاملين والمستثمرين في ظل تباين آراء المصرفيين ومحللي الاقتصاد المصري بشأن أسبابه في ظل عدم صدور أي تصريحات من البنك المركزي أو الحكومة.
وفي حين عزا عدد من المحللين صعود الجنيه إلى تدخل البنك المركزي بشكل مباشر لتحريك العملة بعد استقرارها لنحو عام، وهو ما ينفيه المركزي عادة مشددا على أنه لا يتدخل في سعر الصرف، فقد رأى آخرون أن ذلك نتيجة لتدفقات المستثمرين الأجانب على أدوات الدين.
وبلغ متوسط سعر بيع الدولار في البنوك إلى الجمهور 17.75 جنيه في مقابل 17.95 جنيه للدولار صباح الأحد. وهذا أقوى مستوى للجنيه مقابل العملة الأميركية منذ أيار 2018 وفقا لبيانات رفينيتيف أيكون.
وقال مسؤول مصرفي بأحد البنوك الخاصة العاملة في مصر لرويترز طالبا عدم نشر اسمه ”ارتفاع الجنيه المصري حركة مثيرة للقلق وموجهة، ليس لها أي علاقة بالعرض والطلب.
و”تصريحات محافظ البنك المركزي نهاية الأسبوع الماضي كانت تمهيدا لما يريد فعله هذا الاسبوع“.
ولم يرد طارق عامر محافظ البنك المركزي على طلبات من رويترز للتعليق على الارتفاع المفاجئ لسعر الجنيه.
وكان عامر قال لبلومبرج الأسبوع الماضي إن العملة ستشهد مزيدا من ”التذبذب“ بعد إنهاء العمل بآلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب إذ سيتعين على المستثمرين التعامل عبر سوق الصرف بين البنوك.
وأنهت مصر في كانون الأول العمل بالآلية التي كانت تضمن للمستثمرين الأجانب الراغبين في بيع ما بحوزتهم من أوراق مالية مصرية تحويل أموالهم للخارج بالدولار.
وكانت مصر استحدثت آلية تحويل أموال الأجانب في آذار 2013 لضمان حصول المستثمرين الأجانب على النقد الأجنبي عندما تكون لديهم الرغبة في التخارج من الأوراق المالية المحلية.
وقال مصرفي بأحد البنوك الحكومية: ”إلغاء آلية تحويلات الأجانب ورفع سعر الدولار الجمركي قرارات من شأنها التأثير على سعر الصرف وهو ما لم يحدث وكان أحد نقاط الخلاف بين مصر وصندوق النقد بأن المركزي يتدخل في سعر الصرف.
وأضاف المصرفي: ”قد نرى مزيدا من الارتفاع للعملة المحلية خلال الأسبوعين المقبلين قبل معاودة النزول وسط توقعات برفع أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسة النقدية منتصف شباط“.
وتنفذ مصر سلسلة من إجراءات التقشف الصارمة التزاما بشروط برنامج قرض حجمه 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي كانت وقعته في أواخر 2016. ويتضمن البرنامج زيادة الضرائب وإجراء تخفيضات كبيرة في دعم الطاقة.
وأبقى البنك المركزي على أسعار الفائدة الرئيسة من دون تغيير في اجتماع كانون الأول. وكانت آخر خطوة على صعيد أسعار الفائدة في آذار 2018، عندما خفض العائد على الإيداع والإقراض لليلة واحدة 100 نقطة أساس إلى 16.75 بالمئة و17.75 بالمئة على الترتيب.
وقال محمد أبو باشا محلل الاقتصاد المصري في بنك الاستثمار هيرميس لرويترز ”كان متوقعا حدوث تذبذب في أسعار العملة المحلية في مقابل الدولار بعد إنهاء العملة بآلية تحويل أموال الأجانب … رأينا تدفقات أجنبية كبيرة نهاية الأسبوع الماضي في سوق أدوات الدين.
و”كان هناك قلق من حائزي الدولار من تراجع الأسعار وهو ما دفعهم للبيع وسط زيادة العرض عن الطلب… التذبذب سيستمر وفقا لحجم التدفقات النقدية. توقعاتنا لمتوسط سعر الدولار مقابل الجنيه 17.90-17.95 جنيه هذا العام لكن قد نغير التوقعات بعد ما حدث يوم الأحد“.
ووفقا لآخر بيانات متاحة بلغت استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي 14 مليار دولار حتى نهاية أيلول وهو ما يقل عن مستوى 17.5 مليار دولار المسجل في نهاية حزيران ومستوى 23.1 مليار دولار المسجل في نهاية آذار 2018.
ويمتنع المسؤولون المصريون منذ فترة عن الكشف عن أرقام استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بعدما أخذت مسارا نزوليا.
وقالت رضوى السويفي رئيس قسم البحوث في بنك الاستثمار فاروس: ”هناك معروض من الدولار أكثر من الطلب في البنوك وفقا للبنوك ذاتها لكن هذا لن يجعلنا نغير توقعاتنا لمتوسط سعر الدولار عند 18.50 جنيه هذا العام إلى أن نرى استمرار تدفقات الأجانب بقوة“.
وبرغم نجاح مصر في جذب أموال الأجانب الساخنة في أدوات الدين قصيرة الأجل ألا أنها لم تتمكن بعد من جذب استثماراتهم المباشرة بنفس مستوياتها قبل انتفاضة كانون الثاني 2011 وذلك برغم تحرير سعر صرف الجنيه والإصلاحات الاقتصادية التي تطبقها الحكومة.
وتراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 1.1 مليار دولار في الفترة بين تموز وأيلول 2018 مقارنة مع 1.84 مليار دولار قبل عام.
وبلغ صافي الالتزامات بالعملة الصعبة للبنوك العاملة في مصر نحو99.282 مليار جنيه بنهاية تشرين الأول، وفقا لبيانات البنك المركزي.
وقال عدد من مستوردي الأجهزة الكهربائية في مصر، إن البنوك توفر كل طلباتهم من الدولار دون تأخير في حين قال بعض الأفراد أنهم يواجهون صعوبات في توفير الدولار من البنوك دون مستندات خاصة بالسفر أو العلاج.
وقال ثلاثة من المتعاملين في السوق الموازية للعملة في مصر لرويترز أن السوق تشهد هدوءا في التعاملات.
وتعتمد مصر على الاقتراض الخارجي والأموال الساخنة من الأجانب في أدوات الدين على المدى القصير في توفير الدولار بجانب المصادر الأساسية مثل إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج والصادرات التي لم تشهد نموا يضاهي خطوة تحرير سعر صرف الجنيه في أواخر 2016.
وأمام مصر جدول سداد ديون خارجية صعب للعامين المقبلين، وهي تحاول توسيع قاعدة مستثمريها وتمديد أجل استحقاق ديونها والاقتراض بفائدة أقل.
وبلغ الدين الخارجي لمصر 92.64 مليار دولار في نهاية يونيو حزيران الماضي بزيادة 17.2 بالمئة على أساس سنوي.
وقال مسؤول مصرفي آخر في أحد البنوك الخاصة ”يمكننا الاعتماد على الأموال الساخنة في الفترة الأولى للإصلاح الاقتصادي لكن لا يمكننا الاعتماد عليها بعد مرور عامين من الإصلاحات.
و”من الخطير الاعتماد على الأموال الساخنة كأحد مكونات الاحتياطي النقدي في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. لا بد أن يعي المركزي أن عدم وجود مقومات وموارد مستدامة للدولار سيهبط بالعملة المحلية من جديد“.