«البؤساء»، «شبح الأوبرا»، و»شيكاغو» من أهم ملامحه
الصباح الجديد – وكالات:
المسرح الغنائي شكل من أشكال الفنون المسرحية، يجمع بين عناصر الموسيقى والأغنية والاستعراضات الراقصة والحوارات المنطوقة. ومن الوهلة الأولى يتبين أن ثمة صلة كبيرة بين هذا الجنس من الفن وفن الأوبرا.
غير أن ما يميز المسرح الغنائي عن الأوبرا، استعمال ألوان متعددة من الموسيقى والآلات الموسيقية، إضافة إلى ما يُعرف فنيا باسم الحوار غير المصاحب (وذلك على الرغم من أن بعض المسرحيات الغنائية تتضمن حوارات تصاحب جميع فصول المسرحية، مثل مسرحية «البؤساء».
هناك بعض الأعمال الأوبرالية التي تتخللها حوارات منطوقة مثل «أوبرا كارمن»، وتتجنب الكثير من التقاليد الأوبرالية المعروفة.
وغني عن القول ان هناك عدداً من الأعمال الفنية التي شكلت عصب المسرح الغنائي العالمي على امتداد تاريخه، ولا يمكن التحدث عن هذا المسرح من دون الإشارة إليها، مثل مسرحيات «القطط» و» الآنسة سايغون» و» البؤساء» و»شبح الأوبرا».
ويشير النقاد إلى أن هناك ثلاثة عناصر مكتوبة لأي مسرحية غنائية، وهي الموسيقى والقصائد الغنائية والسيناريو. وهذا الأخير يُراد به السطور المُتحدث بها وليس تلك المُتغنى بها في أثناء أحداث المسرحية.
ويمثل عدد كبير من الأعمال المسرحية الغنائية الأساس الذي اقتبست منه كثير من الأعمال السينمائية التي حققت نجاحات فنية كبيرة، سواء على مستوى النقاد أو الجماهير. ويعد فيلم «شيكاغو»، المقتبس عن المسرحية، أحد الأمثلة في هذا الشأن.
وفي الوقت الذي تُعرض فيه الأعمال المسرحية الغنائية في شتى أنحاء العالم، إلا أن أشهرها وأكثر نجاحا هي تلك التي تُعرض على مسارح برودواي في نيويورك وفي مسرح «ويست إند» في عاصمة الضباب لندن.
وتتراوح المدة الزمنية لأي مسرحية غنائية من دقائق قليلة إلى عدة ساعات، غير أن معظم المسرحيات الغنائية تتراوح مدتها بين ساعتين وساعتين و45 دقيقة في الغالب. ودائما ما يكون الفصل الأول في المسرحية الغنائية أطول من الفصل الثاني.
وعادة ما تحتوي المسرحية الغنائية من عشرين إلى ثلاثين أغنية متنوعة الطول الزمني، إضافة إلى بعض الحوارات واللقطات. غير أن بعض المسرحيات الغنائية تقتصر فقط على الأغنيات ولا تتضمن أي حوارات منطوقة، وفي هذه الحالة يذوب الفارق بينها وبين الأعمال الأوبرالية.
وقد ظهرت أول مسرحية تحمل المفهوم العصري للمسرحية الغنائية عام 1866، وهي مسرحية «الوغد الأسود» من تأليف تشارلز إم باراس والتي عرضت للمرة الأولى في مسارح «غاردنز» في نيويورك في 12 سبتمبر ايلول 1866.
وبدأت المسرحيات الغنائية على مدار السنوات التالية كأعمال شديدة الشبه بالأعمال الأوبرالية لا تهتم كثير بالحبكة الفنية وتُركز في المقام الأول على نجومية الأبطال وعلى أعمال الرقص المبهرة والأغنيات الشعبية.
وظهر ذلك جلياً في فترة العشرينيات. غير أن أكثر المسرحيات قرباً في تلك الفترة إلى ما نعرفه حاليا من شكل المسرحيات الغنائية هي « المسرح العائم» التي بدأ عرضها في عام 1927 في مسرح «تسيغفيلد» في نيويورك.
وبعد النجاح الذي حققته تلك المسرحية مقارنة بما تم إنتاجه من قبل من مسرحيات غنائية، بدأ المهتمون بالمسرح الغنائي يطورون من شكل ومضمون تلك المسرحيات، فظهرت مسرحية «عنك أُغني» « أوف ذي أي سينج» عام 1931 من إخراج جورج جيرشوين،.
وهي المسرحية الغنائية الأولى التي حملت نقداً سياسياً ساخراً للأحوال والظروف السياسية التي كانت موجودة في حقبة الثلاثينات، وكذلك أول مسرحية غنائية تُمنح جائزة «بوليتزر» للصحافة.
ومع بدء عقد الثلاثينيات انطلق بالفعل ما يمكن تسميته «العصر الذهبي» للمسرح الغنائي، العصر الذي دشنه عرض مسرحية «أوكلاهوما» في 1943 وانتهى بعرض مسرحية « هير» في 1968.
فقد كانت مسرحية «أوكلاهوما» أول مسرحية غنائية تشتمل بالفعل على حبكة فنية متكاملة الأركان تساندها أغنيات وأعمال راقصة تخدم الموضوع الأساس للمسرحية بدلا من التركيز على أجساد البطلات على المسرح. وحطمت تلك المسرحية جميع التقاليد التي كان يُعمل بها في المسرحيات السابقة لها.
وشجع النجاح الكبير الذي حققته «أوكلاهوما» على مواصلة إنتاج مسرحيات على ذات النهج، مما أفسح المجال إلى تطوير مفهوم المسرح الغنائي بنحو عام وظهرت روائع مسرحية عديدة مثل « سيدتي الجميلة» المقتبسة عن رائعة جورج برنارد شو «بيغماليون»، التي حققت نجاحات فنية كبيرة وشهدت أكثر من 2717 عرضاً وهي بطولة ريكس هاريسون وجولي أندروز.
وفي عام 1957 شهد المسرح الغنائي واحدة أيضاً من أهم أعماله وهي مسرحية «قصة الحي الغربي» من إخراج جيروم روبينز.
وبمرور السنوات، تطورت المسرحيات الغنائية بنحو كبير وخرجت من الحدود الضيقة لفترة الخمسينيات من القرن الماضي.
ومن الأعمال الغنائية المسرحية المُهمة أيضا التي اعتمدت على موسيقى الروك في أحداثها في فترتي الستينيات والسبعينيات، مسرحية تناولت حياة السيد المسيح عليه السلام، وهي مسرحية «جيسيس كريست سوبر ستار»، التي مثلت هي ايضا بداية جديدة للمسرح الغنائي شجعت المؤلفين على تناول القضايا الشائكة في أعمالهم المسرحية الغنائية.
وجاء ظهور هذا النمط من المسرحيات الغنائية ليجعل من مشاهدي «برودواي» أكثر استعدادا لتقبل المسرحيات الغنائية التي تخرج عن كل ما هو مألوف في الشكل والمحتوى. فجاء موسيقيون من أمثال الموسيقار الكبير جون كاندر وكذلك فريد إيب ليسبرا غور الأحوال المعيشية في ألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية من خلال مسرحية « كاباريه».
واعتمدت بعد ذلك مسرحية « شيكاغو» على التقنيات الهزلية لتعرض أمام المشاهد قصة عن القتل وما يدور خلف الكواليس في وسائل الإعلام.
ثم جاء عقدا الثمانينيات والتسعينيات ليشهدا التأثير الكبير الذي تركته ما عُرف بـ «مسرحيات الوزن الثقيل» الأوروبية، أو الـ «بوب أوبرا»، وهي نوعية من المسرحيات تعتمد على عنصر الإبهار وأعداد ضخمة من الممثلين والموسيقيين والراقصين وكم كبير من المؤثرات الصوتية.
ومن خلال تلك المسرحيات بدأت تظهر مشاهد جديدة كانت مقتصرة على الأفلام السينمائية مثل هبوط طائرات هليكوبتر على المسرح، وما شابه ذلك.
أما في الوقت الراهن فيتبين أن المسرحيات الغنائية أخذت عدة اتجاهات متعددة نتيجة تغير طبيعة الساحة المسرحية بنحو عام وطغيان عنصر الكسب المالي على كل شيء. فولت تلك الأيام التي كان هناك فيها منتج واحد فقط، من أمثال دافيد ميريك أو كاميرون ماكنتوش، يقوم وحده بإنتاج المسرحية من الألف إلى الياء.
فالآن يجد المتابع لأحوال المسرح الغنائي تشكيلة كبيرة من الرعاة من شتى الأطياف يسيطرون على الإنتاج الفني لبرودواي، ويحدث في أحيان كثيرة أن تكون هناك تحالفات واندماجات من أجل إنتاج مسرحيات غنائية وذلك بسبب الاستثمارات الكبيرة التي تتطلبها الآن مثل تلك النوعية من الأعمال الفنية، والتي قد تصل قيمة العمل الواحد منها أحيانا إلى عشرة ملايين دولار أو أكثر.
وإذا نظرنا إلى مستقبل المسرح الغنائي، نجد أنه يمكن التنبؤ بعودة مرة أخرى إلى تلك الأيام التي شهدت قيام الرومان بتمثيل المعارك البحرية على خشبة المسرح.
ويتجلى هذا الأمر في مدينة تورنتو الكندية الآن من خلال العرض العالمي الأول لمسرحية «سيد الخواتم»، التي توصف بأنها أضخم إنتاج مسرحي في تاريخ المسرح الغنائي.