في انتظار “ولي الدم”

 ما جرى في سبايكر يختزن في جوفه ارث طويل ومرير من السيرة الذاتية للجريمة والخسة والانحطاط في هذه المستوطنة المستباحة منذ زمن بعيد. ومع مثل هذه المناخات والقوى والبيارغ المهيمنة، لا يمكن لهذه المجزرة التي حدثت في تكريت وأودت بحياة مئات في عمر الزهور، من ابناء هذا الوطن المنكوب بسلالات القتلة، الا ان تنضم آجلاً أم عاجلاً الى ذلك الارشيف الطويل من الجرائم والانتهاكات والتي ظل مرتكبيها لا أحراراً وحسب بل تصدر غير القليل منهم المفاصل الحيوية للغنيمة الأزلية. كل من ما زال يقبض على شيء من العقل والانصاف والوجدان يعرف جيداً ان هذه الجريمة، لم تكن محطة عابرة في تاريخنا الحديث، حيث العشرات من (السبايكرات) التي ارتكبت بدم بارد ولا أبالية لا مثيل لها، والكثير يتذكر كيف عاد (المنحرفون) الى السلطة عام 1968 ولم يمر على عروس سبايكراتهم في 8 شباط 1063 سوى خمسة أعوام، ومثل هذه المواقف من سكان هذه المستوطنة القديمة ولا مسؤوليتهم وخاصة من يتصدى منهم لشؤون عيال الله والشأن العام في البلد، هو من مهد لما جرى عند اطراف قاعدة سبايكر الجوية في المدينة التي وفرت الجحر الأخير لمارشال السبايكرات العتيد.

ان هذه المحطة الجديدة من العار الذي يكللنا جميعاً، تدعونا للانصات جيداً لما حذرتنا النبؤات منه (القادم أخطر) ويتطلب منا قبل فوات الأوان رص ما تبقى لنا من همة وكرامة ووعي بالكارثة المحدقة بنا جميعاً، كي نقف بوجه الجيل الجديد من القتلة، وبعيداً عن المعايير والمقاسات الشاذة لمستنقعات التشرذم وما حذرنا منه امين معلوف في (الهويات القاتلة) التي حولت أحد أجمل الاوطان (لبنان) الى مرتعاً لكل القوافل اليائسة من رحمة الارض والسماء. ان هذه الجرائم هي نتاج رحم ملوث ومثقل بكل ترسبات التاريخ الهمجية، وهي دليل لا يقبل التأويل على ان من يتغنى بانتسابه لنادي “خير أمة” لم يصلوا بعد لسن التكليف الحضاري والقيمي، ولا تنفعهم بشيء كرنفالات الاحتفال بوصول اطفالهم لسن التكليف الشرعي، فعلى تضاريسهم ترتكب ابشع الجرائم وتسفك الدماء بشكل تخجل منه اكثر الحيوانات والمخلوقات ضراوة ووحشية.

ومن يتابع المشهد الغرائبي لوضعنا الراهن، لا بد له من ان يندهش لكل هذا الكم الهائل من احتياطات الصلافة، التي تدعوا لاطلاق سراح المعتقلين والغاء المسائلة والعدالة (اجتثاث البعث سابقاً) وغير ذلك من التشريعات، التي ظلت في الواقع مجرد حبر على ورق التشريعات المعطلة والمجهضة اصلاً. في نهاية المطاف لابد من الاتفاق على ان؛ الجريمة لا دين ولا طائفة ولا رطانة لها، والدم المهدور ما زال يترقب ولي الدم..!

جمال جصاني  

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة