اعلام الضياع الشامل

شوط طويل قطعته الكلمة الحرة كي تصل الى الذرى الحالية من المكانة والتأثير الذي نعرفه اليوم عنها بوصفها؛ السلطة التي تحدد الطرق والملامح لبقية السلطات والمؤسسات الفاعلة للعصر الحديث. لم يعد هناك أدنى شك في الدور الذي يلعبه الاعلام وفروعه المتعددة الأشكال والوظائف، حيث تلعب المعلومة دوراً حاسماً في مواجهة تحديات الحياة الحديثة المترعة بالتحولات السريعة والتي اصبح فيها عمر المعلومة اقصر من عمر الفراشة. هذه الحقيقة التي لا يدركها سدنة القهر والاستبداد في مضاربنا وحسب بل تفننوا في استعمالاتها الضد بنحو فاق كل التصورات.

ومن يتابع دور ما يعرف بـ (السلطة الرابعة) قبل سقوط النظام المباد وبعده ربيع عام 2003 لابد له من ان ينحني لهذا الثبات والاخلاص الذي دونته جحافل وفلول هذه المؤسسات وعلى مختلف المنابر الورقية منها أو السمعبصرية وما يتجحفل معها من دواب الكترونية. وكل من ما زال يقبض على شيء من العقل والوجدان، لا يحتاج الى معلومات ومعطيات اضافية كي يكتشف دورهم في ترسيخ وترتيل مقولات العصر الزيتوني آنذاك، أما بعد “التغيير” فقد برهنت فلولهم عن رشاقة وقدرة لا مثيل لها في امتطاء سنام ما يعرف بـ (الفوضى الخلاقة) ولم يمر وقت طويل حتى تمكنت واجهاتهم الاعلامية من اكتساح بدع التعددية المارقة لثوابت الامة ورسالتها الخالدة.

لا أحد ينكر حقيقة الكم الهائل من وسائل الاعلام التقليدية منها والمبتكرة والتي اكتسحت حياة سكان هذا الوطن المنكوب بعد يباب طويل وقاس من الحرمان المعرفي. سيل واسع من الصحف والمطبوعات والاذاعات والفضائيات والمواقع الالكترونية وغير ذلك من الوسائل الاعلامية والتي لا يتجرأ أحد على التقرب من مصادر تمويلها والجهات المسيرة لها. وهي بدلاً من ان تنهض بدورها لتحويل الفرصة التاريخية التي منحتها الاقدار لسكان هذا الوطن الذي عرفت تضاريسه بواكير المدونات على الرقم الطينية؛ الى واقع جديد من التحولات المناصرة لمنظومة الحريات والحقوق الحديثة، سخرت نفسها لبث ثقافة الكراهة والتشرذم والاحقاد بين المتلقين لخطابها وبرامجها المتخصصة بتزييف الوقائع والأحداث.

ان التدهور السريع والواسع الذي شهده البلد في الاعوام الاخيرة وعلى شتى المجالات، لا يمكن فصله عن الدور التخريبي لما يمكن ان نطلق عليه بـ (اعلام الدمار الشامل) حيث يتم فتل عنق الاخبار والمعطيات وفقاً لاجندات متنافرة والمصالح الحيوية لحاضر ومستقبل هذا الوطن القديم. ووسط كل هذا الصخب والضجيج من التزييف والتحشيد والتهريج الطائفي والاثني، يصعب العثور على كسرة صوت أو صورة تنتصر لذلك المشروع الديمقراطي الاتحادي القابع خلف قضبان الدستور..!

 

جمال جصاني         

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة