الرجل الذي شجعني على المطالعة

غادرنا الى دار البقاء أمس الأول الكاتب والصحفي مصطفى صالح كريم، الذي وافته المنية في مدينته السليمانية، اثر مرض عضال، كان رحمه الله ثراً معطاءً، دافع عن قضايا الحرية والتنوير، واخذته الكتابة حتى منه.

مصطفى صالح كريم

كنت في الصف الأخير بمرحلة الدراسة المتوسطة حين تعرفت على (مكسيم كوركي) من خلال رواية (الأم) وأحببت الكاتب الكبير من كل قلبي كما أعجبني بطل الرواية، ومن ثم تشرفت بمعرفة الروائيين المبدعين الآخرين (تولستوي وتوركنيف وديستوفسكي وجيخف)، جاء هذا الميل الى القراءة بتشجيع من مسؤولنا الحزبي في حزب التحرر الوطني الذي كنا منضمين اليه سراً والذي وجهنا الى مكتبة (بيري نوي- الفكر الحديث) في السليمانية، حيث نصحنا بارتياد المكتبة العامة ايضاً، لنحصل منها على مختلف الكتب التاريخية والاجتماعية والثقافية التي تفتقر مكتبة الفكر اليها.
* هكذا اعتدنا على زيارة المكتبة العامة في أوقات فراغنا وهناك تعرفنا على أمينها الاستاذ محرم محمد أمين الذي عاملنا بلطف ومحبة وشجعنا كثيراً على القراءة كما دلنا على ماهو مفيد للقراءة وجعلنا نفرق بين الكتاب الجيد النافع وبين ماهو غث وغير مفيد، حتى أصبحنا نحن التلاميذ مع استاذنا أصدقاء حميمين.
* في ظل الأحكام العرفية التي أعلنتها الحكومة سجن الكثيرون وفصل العديد من الموظفين والطلبة والعمال، وأنا بدوري أخذت نصيبي، حيث فصلت من المدرسة لما تبقى من السنة، كنت آنذاك في الصف الرابع العلمي، لذلك تفرغت اكثر للقراءة، حين ذهبت الى المكتبة العامة علمت أن أمينها هو الآخر من المغضوب عليهم، حيث كان قد صدر امر تعسفي بنقله الى الخالص. بعد عام قضاه في منفاه فصل من الوظيفة وعاد الى السليمانية ليعمل في مكافحة الملاريا التي علمته طريقة رش المبيدات كيف ان هذه المبيدات تقتل صغار البعوض ولكن (الانوفلس) قد لاتؤثر عليها المبيدات، كما هو حال كبار الموظفين المرتشين المختلسين الذين لاتقترب اليهم يد الاصلاح.
* الى جانب كونه مناضلاً، مدافعاً عن حقوق شعبه، برز محرم محمد أمين كقاص مبدع، بدأت مسيرته القصصية في الخمسينات وأصدر مجاميع قصصية مازال النقاد يشيدون بـ(نزهة في أزمر) و(ملك الغجر) و(البركة المضطربة) وغيرها من القصص القصيرة التي أبدع فيها والتي ميزته عن الكتاب الآخرين.
* انتخب عضواً في الهيئة الادارية لاتحاد الأدباء الكرد فرع السليمانية وشارك في فعالياته ونشاطاته الادارية.
* كما مارس العمل الصحفي من خلال مشاركته في تحرير مجلة (السليمانية) وتوليه سكرتارية تحرير مجلة (به يان).
* وبتكليف شخصي مني حرر مشكوراً عموداً اسبوعياً في صحيفة (زين) الأدبية بعنوان (الطريق المستقيم) كان له قراؤه المتميزون، حيث كان يكتب فيه موضوعات جيدة وشيقة.
* انتهت حياة هذا الأديب المناضل في الثالث والعشرين من تموز (يوليو) سنة 1980 بشكل مأساوي، اذ كان قد استدعي للأمن، وفي مساء اليوم نفسه أخبروا أهله بأنه في العناية المركزة في المستشفى، وفيما بعد استلموا جثته دون أن يعرف أحد منهم لماذا استدعي للأمن؟، وماهي التهمة الموجهة اليه؟، وكيف جرى معه التحقيق؟، ولماذا نقل من الأمن الى المستشفى؟، هل عذب أثناء التحقيق ولم يتحمل التعذيب فأصيب بنوبة قلبية أم ماذا؟، المهم أنه استشهد في ظروف غامضة، كغيره من مئات المناضلين الذين غيبوا والعشرات من حملة الأقلام النظيفة الذين لم يركعوا للنظام الفاشي فكان مصيرهم الموت.
* كلمة أخيرة أود أن أزجي التهنئة لاتحاد الأدباء الكرد- فرع السليمانية الذي اقام خلال هذه الأيام ملتقى للقصة الكردية باسم (ملتقى محرم محمد أمين) للقراءات القصصية، حيث شارك فيه عدد من كتاب القصة القصيرة من الشباب والشابات وقدموا قصصهم التي نأمل أن يواصل كتابها درب الكاتب الشهيد، واحيي اسرة المبدع وبالاخص الاخ هيرش محرم الذي اعاد طبع نتاجاته وقدمها هدية للقراء، ولابد من الاشارة الى جهود كل من الأدباء رؤوف حسن وجيهان عمر والدكتور آزاد حمه شريف الذين كان لهم دور في جمع وترتيب واعداد نتاجات الكاتب الراحل وما كتب عنه.
* تحية تقدير الى الراحل الكبير الاستاذ محرم محمد أمين الذي كان استاذي وصديقي وسأظل محتفظاً بذكراه الخالدة في قلبي ووجداني.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة