خمس قصائد زيتية على قماش أبيض

تحت جنح الليل

إبراهيم الركاوي

تحت جنح الليل

قلبك أغصان
تزهر تحت جنح الليل
ثمة ما يرى وما لايرى
مثلا الوجوه التي تختفي في المرايا
ساحات الصمت في الليل
وكواكب تتدحرج من قمة الجبل
مثل ندف ثلج الأحلام
وهي تبرد في الخوابي
والوجوه تتبخرعلى مرايا تطفو فوق البحيرة
وزجاج الضباب الذي ينكسر
فوق رؤوسنا
ودم الليل الذي يسيل
والقرون الميتة
على مشارف الكهف
ثمة نواعير الزمن معطلة
ودقات عقارب قلوب نساء
وهي تحيي عظام الليل
والمطر الذي يهطل بغزارة
ويغسل الهواء
ويخلصه من جثت الطيور النافقة
والليل الذي يسيل من خرم الكون
ويلمع مثل حرير دموعك
و الألم هناك ..
يطفئ شموسا تشتعل في الغابة
تحت جنح الألم

طبيعة ميتة

شراشف الضباب
تغطي الجبل الميت
على قارعة الأبدية
المياه في بحيرة العزلة
تتوجس من الأعماق
والوجه الكظيم كالنيلوفر
يطفو على مرايا الزرقة
الأشجار
تصطف تباعا
في آنتظار الليل ..
ثمة أثار أصوات
وصرخات رضع
تكسر جوز الصمت
ثم تختفي ..
ثمة أشباح تهدد الليل
ثم تختفي ..
ثمة بحار وليل يتبخر
وحقيقة بيضاء
تفقس بيوض الحكمة ..
ثمة في الأفق طبيعة ميتة
وورود قانية الحمرة
يسيل منها دم
على طاولة الليل
في مزهرية

لقاء

قلبك أغصان تزهر
كلما آلتقينا
في منحدرات القصيدة
و مهاوي الروح
وجدنا الأفق جثة هامدة
والليل عزلة الأبدية
استسلمنا للشمس
وهي تذوب فوق قمم الجبال
وتصيب الفجر
بأوجاع جديدة
هناك على حافة الهاوية
نواعير الألم تسقي الزمن
كلما بعدت المسافة بيننا
أحلام وردية

حاول أن يلون الليل
بالأبيض
حاول أن يلون النهار
بالأسود
حاول أن يلون القصيدة
بالأبيض والأسود
وفي كل مرة
تظهر اللوحة بلون الدماء
وفي كل مرة
يحلم بنهار أكثر صفاء
ونشرة أخبار
خالية من صور جثث النجوم
وسماء مبقورة…

كنا ثلاثة على الأرجح (لاأقصد هم ولكن أنا وهو و الصياد …)
كنا ثلاثة
أنا وهو والصياد
نحث السير برفقة الليل
وحزمة غيوم غلى ظهورنا المقوسة،
كنا ثلاثة على الأرجح
نتمطق بالعتمة
ويسيل من عيوننا حليب
عرفنا أنه الضوء
الضوء الذي زاغ عن الهاوية
وشرع يسحب خسائره
ويحصي جثث الأحلام
قبل أن يدخل مرة أخرى
خدر عنيزة
محونا كل آثار البياض
في القصيدة ..
وجلسنا نشعل حطب الأيام
تحت سماء عارية
تتطاير ذرات رماد القرون
وتسافر الريح المتقرحة
بين اللحظة واللحظة، نقيم
جذور الصمت تتغور في التراب
بينما تحرث عيوننا الهواء
ونحن نتملى الأبدية ..
*شاعر من المغرب

رعد زامل
ولادة

لم يتداركني
الغيم بالمطر
غداة نطفة على وجهِ الرمال
كنتُ أستغيث
لقد أشاحت بخضرتها
الأشجارُ عن وجهي
فلستُ على وفاقٍ
مع أحد …
روحي بذرةُ الشك
والعالمُ حقل اليقين
ملوثا بغبار الخلق
انحدرت إلى الكون
وفي طريقي
من نطفةٍ إلى مضغة
تعثرت بالكثير من الجثث
بينَ فيافي الغربة
وقفار العدم
أصبحتُ علقة
ثم نطفة بلا قرار مكين
وبعد تلال الوحشة
أمسيتُ عظما
يتسكعُ في السديم
فما أن أوشك َ الله
أن يكسو ذلك العظمَ لحماً
حتى نهشته أنيابُ الحروب
هكذا في ساعة نحسٍ
من نيسان …
هزيلاً دون الناس أتيت
جرفتني ريح الولادة
نحو الجنوب
وليس مهماً
لو ألقاني هبوبها في الشمال
فأنا في الحالتين
كنت سأولد
أولد صارخا حتما
أولد وفي عيني
حمامةٌ مذبوحة .

وسام محمد
قصيدتان

أيامي الشعثاء
تمد لي لسانها
من شرفة الغروب
تخبئ في جيبها لذة
خلاصي ..
انظر اليها من شق حلم
لا من ثقب الحقيقة ..
علّ اثمي يكون ظناً
وذاك الغد يعود باكراً
لأكفر بالسجود على منحري
وأعزف بالسوط
واراقص الجلاد
على أيقاع أغنية منسية ..
***
شعوب الناي
ناي يعزفني
انامل ثقيلة كخطيئة
وانا منتشية بمولد لحني
يعزفني
قبل ان يرحل الليل
ويتركني بلا ماوى
بلا خاتمة
تهرب من الثقوب المصطفة
على سطح الأعوام
يعزفني
وأسرق نجمة
من عين الليل
واستلقي وسط حقول
ارتدت ثوبها الأخضر مسرعة
كي نتاخر على الوقت المناسب
في الساعة الاخيرة
من عيد الميلاد
حتى نرى يسوعا
ينزل علينا فطيرة محلاة
من الرب
فيخلق طيرا يحط
عند الأطفال والفقراء والمجانين
ويعود الأعمى بَصِيرا
يرى الأحلام
وان لم يكن بوسعه
ان ينام
فيستيقظ فجر
التحف بأجنحة الملائكة
وطبق توجيهات السماء
فيعزف ناي
قبل ان تصحو الخحروب والثورات
وتكتب الأخبار السيئة
في صحف سقط منها الغد
وتملئ كؤوس الدمع
بضجيج طفلة فقدت
لعبتها تحت اقدام العفريت
ويحكم القضاة بعدلهم
لا عدل الله
قبل ان تغرق سفن
لم تبحر نحو وطن
وتعلق اسماء الذاهبين
الذين سيصلبون
على أعمدة الرمل
وتطحن اشلاؤهم
بين أَسْنَان اللصوص
واللصوص لديهم المفاتيح
والابواب .. وألواح الخشب
ولايزال الناي يعزف
فليخرس جميع المطاردون
والضائعون
والمنتظرون
حتى ينز منهم لحن بؤسهم
وترفع عن اجسادهم
تلك اللعنة
ويعود لها
صلصالها المسروق ..

كابوس

في مدينة لا اعرفها
أسير متأرجحا
بلا سترة نجاة
سقطت مني
على حافة الدائرة
جلد ارتدته الأعوام
فغدوت بلا عمر
بوصلة سقطت منها
الجهات

في هذه المدينة
أسمعهم يلقون قصائد
لزجة
مبتسمة
القصائد في مدينتي
منهكة
يتدلى وجهها كمنهزم

هذه المدينة تشبهني
تفتقد رائحة الصبر
تفتقد طعم الحكايات
في موسم الحصاد
ارصفتها جائعة
بلا ماوى بلا طريق

في مدينتي
معطف والدي معلق
على هامات مرفوعة
يمر القمر فوقها
ممتطيا حصانه

في هذه المدينة
لا اعرف سوى ظلي
ذاك المتعلق
بقدمي
يسير على الجدران المتصدعة
ورأس تطن به ذبابة ملتحيه
والجدران بلا حجر
والحجر رمته طيرا أبابيل
فوق أجساد الاشباح العارية

ابحث عن محفظتي
الساخرة مني
أخبئ بها نصفي العاجز
عن الكلام
نصفي الذي سحقته المسافات
فلا اجد سوى عملة ورقية
بوجه واحد
قد اشتري بها راحتي
المنزوعة الدسم

في هذه المدينة
لا ارى صوتي
أسراب ضباب راحلة
حملته الى الغروب
والريح تشدني من يدي
الى قاع الفوضى

في هذه المدينة
الفجر لايعانق المأذنة
ولا شاعر يقضم لسانه
ان ذكر امرأة
ولا جحيم سمعته سيئة

ارى مقهى يتثائب
في وجه البحر
رائحة التبغ تلتصق
بعرق الزجاج

في هذه البلاد
لا الإذاعة
لا تلفزيون
لاصحف
لاحائط يسترق السمع
لا اخبار كاذبة

النساء في هذه المدينة
كلهن من فصل الشتاء
تطفئ حرائقي كلما اندلعت
تقودني الى بيتها
فوق فوهة البركان
فأعود منها بلا حواس
ونشوة مؤجلة

في مدينتي
تلفحني نيران امرأة
كلها دوائر مكتملة
جزر بين نهر عظيم
تشعل فيّ شهوة الذاكرة
تبلل فيّ الحنين ..

في مدينتي
ثلاث طرقات على راسي
وباب الصباح صدأ
صرير ايقض سبات الالم
لانتهي وبين عشب صدري
زرعت وثيقة سفر
وبطاقة رحل عنها
طائرها الأخضر
اكتب رسالة…

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة