غياب العدالة في الرواتب

على الرغم من ان رواتب واجور موظفي الدولة العراقية تشكل عبئاً ثقيلاً يرهق كاهل الموازنة العامة السنوية ، فنحن نتحدث عن انفاق اكثر من ٥٠ ترليون دينار سنويا لتأمين الرواتب والاجور لاكثر من ٣ ملايين موظف عدا المتقاعدين والمتعاقدين والاجراء ..الا اننا نجد بوناً شاسعاً في معدلات هذه الرواتب بين مؤسسة واخرى ..
صحيح ، ان الجميع يخضع لقانون رواتب موظفي الدولة رقم ٢٢ لسنة ٢٠٠٨ ، الذي ينص في مادته الاولى على « تعديل رواتب المشمولين بأحكامه بما يؤمن لهم مستوى معيشيا أفضل ، مع ألأخذ بنظر الاعتبار المؤهلات العلمية و المنصب الوظيفي و الموقع الجغرافي و الخطورة و سنوات الخدمة و الحالة الاجتماعية»..
.ولتحقيق ذلك فقد وضع القانون سلما للدرجات الوظيفية وكذلك حدد مخصصات الشهادة والزوجية والاطفال والمنصب ، والمناطق النائية ، وغيرها ، ووفقا لذلك ، نفترض ان العدالة الاجتماعية متحققة في تساوي الاستحقاقات المالية لجميع الموظفين بحسب ما نص عليه ودعا اليه قانون رواتب موظفي الدولة .. ولكن ، الامر ليس كذلك ، فثمة الكثير من الفروقات الموجودة بين موظفي هذه الجهة او تلك الجهة ، لدرجة ان بعض الوزارات وهي مهمة ، باتت طاردة للكفاءات ، في وقت يجب ان تكون مستقطبة لهذه الكفاءات ، ومنها وزارة التخطيط على سبيل المثال ، لا الحصر ، فهذه الوزارة معنية برسم السياسة الاقتصادية والتنموية للبلد ، فضلا عن قيامها بالكثير من المهام الحيوية التي تمثل اساسا للتخطيط وتخدم مؤسسات الدولة كافة ، وينبغي ان تكون مستقطبة لافضل الكفاءات وفي شتى الاختصاصات ، الا اننا نجد سعي الكثير من موظفيها ، لاسيما الكفاءات المهمة ، الى المغادرة والذهاب الى جهات اخرى يمكن ان توفر لهم ظروفا مالية افضل ، والامر لايقتصر على هذه الوزارة ، بل ثمة وزارات وجهات اخرى لايختلف حالها كثيرا عن هذا الحال ، وقطعا ان المشكلة لاتكمن في قانون الرواتب ، فقد يكون هذا القانون من افضل القوانين واكثرها تحقيقا للعدالة ، انما المشكلة تكمن بطبيعة المخصصات التي حددها القانون ، ومنها مخصصات الخطورة ، والطعام والنقل وغيرها ، وهذه المخصصات تُصرف لهذه الجهة ، ولا تُصرف لتلك الجهة ، والفاصل بين الجهتين ليس سوى سور ، فالذي يعمل داخل السور يكون عرضة للخطر ومن يكون خارجه فهو في مأمن من ذلك الخطر !!.. في حين ان المنطق يقول ، ان من يكون في الداخل هو الاكثر امانا ، والخطر – ان كان ثمة خطر – انما يحدق بمن هو خارج السور ، واللافت ان الفرق بين موظفي «داخل السور» وبين مَن هم خارجه ، كبير جدا ، .. اضف الى ذلك ان هناك مؤسسات اخرى ممن هي خارج السور ايضا تحظى بخصوصية تمنحها افضلية في الرواتب والاجور ، فعندما تجري مقارنة بين موظف هنا واخر هناك ، وكلاهما له الشهادة نفسها والخدمة والمنصب ، تجد الفارق كبيرا بين الاثنين ..
وقطعا ، ان وجود مثل هذا التباين من شأنه ان ينعكس سلبا على مستوى الاداء الوظيفي ، ونحن اصلا لدينا مشكلة في هذا الجانب ، اذ تشير التقارير الى ان انتاجية الموظف العراقي منخفضة جدا بالمقارنة مع موظفي بلدان العالم الاخرى ..ولعل واحدا من تداعيات تباين مستوى الرواتب ، السعي الدائم من قبل موظفي الوزارات «محدودة الدخل» للبحث عن مكان في الوزارات «ميسورة الدخل» .. ومن هنا فان الامر يتطلب اعادة النظر بقانون الرواتب ابتداءً ، فضلا عن دراسة قضية الخطورة ، وهل هناك مؤسسات في العاصمة تتعرض للخطر اكثر من غيرها لكي تحظى بمخصصات اكثر من سواها ؟؟- طبعا باستثناء منتسبي القوات الامنية – ، من دون ان ننسى رواتب الدرجات الخاصة المبالغ فيها كثيرا ..
ولست هنا بوارد الدعوة لاحداث ضرر في مصالح اعداد غير قليلة من الموظفين ، انما هي دعوة لاشاعة العدالة الاجتماعية بين موظفي الدولة كافة ، اذ ليس من المنطق ان يكون كل هذا التفاوت بين موظفي البلد الواحد .
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة