تغييب الدولة !

العناوين الوطنية في أي مجتمع من المجتمعات تتمثل في ابراز هوية الوطن وتقديمها على ما سواها من العناوين ومن بين اهم هذه العناوين احترام الدولة واعلاء شأنها في المحافل المحلية والعالمية وترسيخ معاني حب الوطن من خلال الحفاظ على المال العام وتقديم الخدمة المجتمعية ويمكن لأي مواطن أن يتلمس الارتباط الحي مع وطنه ودولته في اوجه عديدة منها الحقوق المترتبة على الدولة التي بمقتضاها يحيا الشعب في وطنه حياة كريمة ويحصل فيها على الخدمات العامة وتؤمن له الحماية الامنية الكافية بما يشعره بالاطمئنان والاستقرار وتوفير مستلزمات العيش الكريم في مجالات الصحة والبيئة والتعليم وفي الوقت نفسه فأن هذا الارتباط الحي يستلزم تأدية مجموعة من الواجبات من قبل المواطن تجاه الدولة التي يحيا فيها وفي مقدمتها الحفاظ على المال العام والحرص على سيادة الدولة وصيانة امنها الوطني وعدم الاضرار بالمصالح العامة التي يتشارك الجميع في الاستفادة منها وخلال السنوات المنصرمة شهد العراق سلسلة من الانتهاكات صاحبت المتغيرات السياسية والامنية والاقتصادية التي اعقبت سقوط النظام السابق ومن بين ابرز هذه الانتهاكات هي محاولات تغييب الدولة والتفريط بالعناوين الوطنية ومحاولات استبدال سلطة الدولة بسلطات فئوية تنتمي الى الحزب او الطائفة او المذهب وشهدت البلاد في سنوات متعددة بروز مجموعات مارقة عبثت بالمال العام واضرت بالممتلكات واستحوذت على الثروات المائية والنفطية بوسائل ملتوية ومارست بعض هذه الجهات الترهيب ووظفت ادوات الفساد في سبيل الحصول على اكبر قدر ممكن من المساحات في مجال الزراعة والموارد المائية ولم تعد الدولة في ازمنة وامكنة معينة قادرة على حماية ثرواتها التي تكفل الدستور والقوانين النافذة بمنحها الحق في حمايتها وفرض سيطرتها عليها وخلافا لما هو موجود في الدول المتقدمة والدول التي تحترم هوياتها الوطنية تعرضت البيئة العراقية متمثلة بالأراضي الصالحة للزراعة للإهمال والمساحات المائية الغنية بالثروة السمكية للاستحواذ من دون وجه حق وجرى التجاوز عليها من قبل انتهازيين ومنتفعين في مجالات التجارة والاستثمار مما عرض الامن المائي والغذائي في العراق الى الخطر وبات المواطن العراقي مهددا اليوم في الغذاء والماء والهواء بعد أن فقدت الدولة القدرة في السيطرة على مجموعة من عناوين السيادة وبعد أن استمرت مجاميع الفساد والجريمة انتهاكها لقوانين الدولة ولربما كانت مأساة نفوق ملايين الاسماك في مياه الفرات واحدة من هذه الانتهاكات .
د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة