على الرغم من شهرة ومكانة هذه الوصية والتقنية (البعرة تدل على البعير) التي خلفها لنا الاسلاف بوصفها بوصلة لا يتناطح بشأن ارتعاشاتها كبشان، عندما ترسم لنا خرائط الطرق المجربة وسط عتمة واضطراب الاوضاع والاحوال، الا ان الاجيال الجديدة من شيوخ وامراء وامناء القبائل والملل والاحزاب والتيارات والكتل وغير ذلك من حوانيت حقبة ما بعد الفتح الديمقراطي المبين، يصرون على خذلان هذه الوصية الخالدة، في سعيهم لتشكيل الحكومة المرتقبة. طبعاً، والحق يقال؛ فان هذا الخذلان لا ينحصر بممثلي الشرائح المذكورة آنفاً، بل تمتد الى غالبية المهتمين بالشان العام، وخاصة المعنيين بما يعرف بالسلطة الرابعة والمنتسبين لنادي الانتلجينسيا، ممن ادمنوا الترنح على صدى الايقاعات الأشد صلافة في كرنفالات الغيبوبة والدمار الشامل الرائجة حالياً.
لقد حذرنا مراراً، من دروب اليائسين هذه، حيث الاصرار على (تجريب المجرب) فالقوم لا يملكون غير هذه البضاعة والفضلات الخطرة التي سممت حياتنا الاجتماعية والسياسية والقيمية، وقد برهنوا لنا عن عجزهم في مواجهة ابسط التحديات في مجال الامن والسياسة والاجتماع. كما انهم غير مستعدين لاجراء اي مراجعة نقدية لسياساتهم وممارساتهم التي اوصلتنا الى هذه المفترقات الحرجة والمتخمة بالآلام والاوجاع، ومثل هذه الملاذات البائسة لن تهدينا غير المزيد من الصولات الخائبة والغطرسات الخاوية.
ان ظهور تنظيمات وجماعات اجرامية وارهابية، لن تكون داعش آخرها، هي رد طبيعي لمثل هذه الاوضاع الشاذة، حيث لا مشروع وطني ولا انبثاقات تتناغم وحاجات الحياة الحديثة في هذا العالم، بالرغم من مرور أكثر من عقد على ما يفترض انه تحول صوب الديمقراطية والحرية والتعددية وحقوق الانسان. ولم يعد سراً فضيحة الصراخ الوطني الشامل الذي اشتركت فيه كل حوانيت (المكونات) لطلب النجدة الاممية العاجلة، بعد ان قذفت بعيداً بما تبقى من أسمال اليافطات والمهرجانات التي احتفت بـ (يوم السيادة الوطنية) وغير ذلك من فولكلور (أم المعارك) وارثها المكين. لم يتبق لنا الكثير من الوقت كي نهدره في اكتشاف ما سوف تقذفه لنا اجواف هذه الكتل والجماعات المتنازعة على وليمة تشكيل الحكومة الجديدة. فهي ذاتها، بكياناتها وزعاماتها المعروفة جيداً لسكان هذا الوطن المنكوب، كل ما يمكن ان نعلل به النفس، يكمن في الصدقة الاممية والتي نرجوا تواصل جريانها وتأثيرها في الحد من شراهة حيتان “الهويات القاتلة” ولفت نظرهم الى البعرة التي تقودهم لمشهد احتضار البعير..