ترجمة وتقديم عارف حمزة
«مساء، أمام البحر» هو الكتاب الجديد للكاتب والطبيب الأفغاني الأميركي، المقيم في الولايات المتحدة الأميركيّة، خالد حسيني (1965)، الذي صدر قبل أسابيع قليلة في لغات عديدة، ومنها اللغة الألمانيّة، هذا الكتاب الذي طُبع كي يكون جاهزاً للبيع في اليوم الثاني لشهر سبتمبر/ أيلول الماضي من هذا العام، وهو اليوم الذي غرق فيه الطفل السوري/ الكردي «آلان كردي» قبالة السواحل التركيّة، عندما حاول مع والديه وأخيه الوصول إلى اليونان، ومنها إلى أوربا، ولكنه سقط من يد والده في البحر؛ عندما انقلب القارب بهم وغرقت والدته معه وأخوه. كان ذلك الحادث في 2 سبتمبر/ أيلول من عام 2015 حادثاً مأساوياً هزّ العالم وقتها.
حسيني الذي مرّ بتجربة اللجوء، ويعمل مع المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، أراد بهذا الكتاب الصغير، أقل من خمسين صفحة، أن يُذكّر العالم بعشرات الآلاف من اللاجئين الذين لقوا حتفهم، وعشرات الآلف الآخرين الذين في طريقهم لذلك، وخفت الاهتمام بقضيّتهم ومصائرهم. إذ يُريد الكاتب، الذي لمع اسمه في قائمة الكتاب الأكثر مبيعاً لسنوات في أميركا، وصاحب روايات «عدّاء الطائرة الورقيّة» و»ألف شمس مشرقة»، واللتين وصلت مبيعاتهما إلى 38 مليون نسخة، ورواية «وردّدت الجبال الصدى»، أن يُذكّر العالم باللاجئين الذين ما يزالون يريدون المغامرة بعبور البحر نحو أوربا وقد يلاقون نفس المصير.
الكتاب، الذي في لغات أخرى جاء بعنوان «صلاة للبحر»، عبارة عن رسالة، فيها الكثير من العاطفية والشعريّة، من أب كان يعيش في مدينة حمص وذهب عن طريق البحر ليلحق بابنه مروان.
ربّما يكون مروان قد مات في رحلة سابقة، خاصّة أنّ هناك مونولوج للأم تقول بأن الولد خُدع من الأب كي يهاجر ويجلب والديه، وربّما مروان هو تعبير عن الغرقى الأطفال في البحر. وربّما تكون والدة مروان نفسها قد ماتت خلال حصار أحياء كثيرة من حمص، من قبل جيش النظام السوري، وقصفها وتدميرها بمَن فيها.. لذلك نعثر على أصوات متعدّدة باهتة وشاحبة مثل سراب. الكتاب الذي عمل عليه حسيني كي يُهديه إلى غرقى البحر هرباً من الحرب والاضطهاد. «مساء، أمام البحر، أوحى القدر للطفل السوريّ النازح آلان كردي، الذي في الثالثة من عمره، تجربة الوصول إلى أوربا ليحصل على الأمان. في أيلول من عام 2015 غرق في البحر الأبيض المتوسّط. في العام الذي تلا مقتل آلان لقي 4176 شخصاً حتفهم، أو فُقدوا. أولئك الذين تجرّأوا على القيام برحلات مماثلة. هذا الكتاب مُهدى لآلاف اللاجئين الذين هربوا من الحرب أو الاضطهاد، وغرقوا في البحر».
من خلال هذا النص نعثرُ على ذلك الوصف المؤلم لأناسٍ، من دول عديدة، ينتظرون أمام البحر «بلا صبر» مصيرَهم القاتل. يُريدون الهرب من بلادهم وأهلهم وجيرانهم ولغتهم وماضيهم إلى بلاد لا يعرفون كيف ستجري حياتهم فيها. يهربون من الموت وربّما إلى الموت. بتلك الرقّة يكتب حسيني على لسان أب يُصلي ويرتعد في صلاته كي ينجو ولده، كي ينجو هو أيضاً، وأولئك الغرباء الذين يُرافقونه في قارب قد ينقلب في أيّة لحظة لكي يرميهم في حضن الموت المستلقي على قاع البحر ويفتح لهم ذراعيه الواسعتين. يكتب عن أناس لا أمل لهم ولا رغبات كبيرة لهم ولكنّ محنتهم كبيرة، ولكنّ بلاءهم لا يُحتمل، يُريدون فقط أن يظلّوا على قيد الحياة.