علوان السلمان
الرؤية الشعرية..القدرة على التعبير والابتكار والتصوير لاقترانها بالفكر المكتظ بالدلالات الذهنية المنتجة لصورها الممزوجة بالواقع باشتغال لغوي تتساوق في جمله العناصر الجمالية وكوامن الوجد..باعتماد المجازات والاستعارات التي تؤسس علاقاتها داخل النص المتجاوز لنطاق المألوف والمستنطق لعوالم الواقع التي غلفها الصمت..
وباستحضار وتفكيك النص الشعري(اعادة تشكيل)الذي افرزت عوالمه النصية ذهنية الشاعر كفاح وتوت ونسجته انامله واسهمت دار فضاءات في نشره وانتشاره/2017..ضمن مجموعته الشعرية التي جعلت منه عنوانها الرئس..كونه مغامرة شعرية خاضها المنتج الشاعر بتوظيف الطاقة اللغوية فكشف عن قدرة بنائية رامزة من اجل التحليق في افق الصورة الشعرية السابحة بين بنيتين اساسيتين:اولهما البنية اللغوية..وثانيهما البنية المعرفية.. مع اعتماد كثافة العبارة وعمق المعنى لتشكيل خطاب شعري اتصالي يثير الانفعالات وينبش الذاكرة..فضلا عن مغادرته المستوى التفسيري الى المستوى التأويلي مع توظيف عامل المفارقة الاسلوبية المفاجئة..
ربما ابتلعني الليل
في الصباح
لم أر أثري في المرآة
ما لهذه العيون تقاتلني
أتفزعها رؤاي؟
…………….. مختبيء خلف زهرة
لذا لا أجيد فن الاقتحام
فقط من قديم الاسى
ارتجل الحب
أنثر في وجوه الخلق
ق..ل..ب..ي
فيرجمني حجر الافئدة /ص45 ص46
فالنص يقوم على اساس جمالي قوامه اللمحة الفكرية التي تكشف عن حالة نفسية تعاني وحدتها واغترابها بلغة تشكل وسيلة في حد ذاتها وغاية..لذا فالشاعر يوظف تقانة التقطيع الكلمي(قلبي) الذي يعني تعطيل القدرة التواصلية للغة..اضافة الى اقترابه من الحكائية بتدفق وجداني ينبثق من مركز دائرة الوعي الشعري الذي تؤطر عوالمه الصورية ودلالاته الموحية تقنيات فنية واسلوبية كالتنقيط (النص الصامت الذي تتعطل فيه دلالة القول)..والتكرار الدال على التوكيد فضلا عن اضفائه نبرة موسيقية على النص..مع دينامية حركية ناتجة من جدلية المتناقضات التي شكلت عنصرا من عناصر الصورة الشعرية التي تستمد شعريتها من الذاكرة الذاتية والموضوعية عبر توليفة تجمع ما بين الواقعي والتخييلي..لخلق الجمل الشعرية المتميزة بالتدفق الخيالي وتوظيف الاسلوب السردي والحواري.. فضلا عن توظيف الفنون الحسية والبصرية والمكانية ..
صوري في اللقطات الاخيرة
بلا حياة
لانها مزيفة بالالوان
متعبة بملامح الحروب
صوري القديمة بالاسود والابيض
اكثر اشراقا……
تتوهج بالفرح والاصالة..
فهل علي ان اعود الى الوراء
لكي…………….. /ص51
فالنص يضيء خبايا الذات باسترسال سردي متعدد الظلال..فضلا عن التركيز على جمالية السياق الحداثي معنى ومبنى وهو يستمد تأثيره من خلجات النفس وفضاءات المخيلة الشعرية التي تنتج صورا تستفز الذاكرة وتحقق اثرها فتكشف عن قدرة رؤيوية للواقع الممزوج بالخيال الخالق لصوره الحالمة.. المشحونة بشحنات تناغمت مع الحس النفسي عبر دلالات هاجسية فاعلة بفعلها ومتفاعلة بذاتها والتي(تهبط في الطبقات العميقة) على حد تعبير هربرت ريد..عبر لغة شعرية تخاطب الوجدان وفق معيار حداثي له التزاماته الموضوعية مع تركيز على الخصائص الحسية لابراز جماليته المنبثقة من استنطاق كينونة اللفظ الرامز وتفعيل الاثر الذهني بلغة يومية تتماهى واللغة الشعرية مع ايجاز في العبارات واقتصاد في الالفاظ..
الحرب اذا قامت
لايوقفها حد…..
تدوس على الوردد
وعلى الخد
لكن….
ثمة شجرة
ثمة كلمة
ثمة رمق يحلم.. بالغد /ص49
فالنص يتصف بقدرة ايحائية واكتناز طاقته الدلالية التي تدين الحرب الحارقة للاخضر واليابس..وهو يشكل خطابا اتصاليا يثير الانفعالات.. ويتعلق بالجوهر الحياتي(الامل) المنبثق من لحظة التجلي التي يستشرفها الشاعر كتجربة كيانية انتزعها من سياق الوجود المجتمعي ونسجها في جمله الشعرية التي تتشكل من بنى تأملية(بنية الانا وبنية الهاجس وبنية الآخر..)اعتمدها المنتج الشاعر بقصدية من اجل تفعيل المخيلة الممزوجة بالواقع لانتاج نص محقق للادهاش والامتاع..
العيون على النوافذ
والنوافذ على الطرقات
والطرقات لا تنهي تعرجاتها
تحتفي بجدبها
أرى عري صحرائها بعين السماء
………………..فانطلق ايها الافق……
هناك…. طائر…
…ومئذنة /ص52
فالنص يهدف الى تحقيق الذات في تكوين موضوعي متدفق بانسياب عضوي عبر وعي شعري يكشف عن الانحياز للحياة من خلال آلية التوصيل والشعور بالاثر واستنهاض المعنى باعتماد اسلوب السرد الشعري والتركيز على الفكرة المختزلة في لغتها مع سرعة ايقاعية وقدرة تعبيرية مكتنزة بطاقة دلالية..
وبذلك قدم الشاعر نصا شعريا بوحدة موضوعية وبنية متناسقة تكشف عن قدرة تعبيرية وتصويرية بالتقاطها ادق الحسيات وتجسيد المعنويات مع ادراك الخفايا والتفصيلات..