عكاز أبي

قصي عطية

أبصرْتُ ضوءَاً خلفَ السّتارةِ
أضْيَقَ من بَوحِ ريحٍ
مَفجوعةٍ بالصَّمت
في عَتْمةِ شِتاءٍ يتفنَّنُ بالرَّقص على
صخرةِ سماءٍ جامحةٍ نَحوَ اللَّهب.
يتطايرُ من وقتي شغفٌ للعِصيان
أحلمُ برَسْمِ طريقٍ:
إيقاعُها الرّفضُ
وحُدُودُها الفَضاءاتُ البِكْرُ…
أمرُّ بأصابعي على اللُّغةِ الهَامِدةِ
أتقلَّبُ واقفاً في مَكاني..
أتدلَّى مُستلقياً على حَيرتي..
أعزفُ لحناً أزليَّاً على الكمانِ
أتَخيَّلُ سِجناً يَموجُ بأقفالهِ
ومنابرَ للسَّحابِ، يُنشدُ فيها الشّعرُ
قصيدةً عنِ الضَّوء
المَذبوحِ
على عتباتِ البصرْ.
***

أستنطقُ عرَّافة الرّمالِ
أرجُوهَا تفسيراً لرؤيايَ:
« عكَّازُ أبي عائمٌ على ذَبذبةِ ضوءٍ
وبخارٌ مَصلوبٌ على حجرِ صوَّانٍ
يتنفَّسُ الموتُ طحالبَ بئرٍ سحيقةٍ
ثمَّ ينحدرُ
إلى أبدٍ مفتوحٍ
على جمرةٍ عاليةِ البريق»
عاينتْ وجهي…
ولامستْ مَسَاماتِ شَهْقتي
ومضَتْ تَسْتعجلُ احتدامَ الآتي …
وقالت:
« أبشرْ،
قد باركتْكَ آلهةُ الشّعر
فأنتَ في برزخٍ ما بين صحوٍ وجنونْ».
فضاءٌ من إشاراتِ الاستفهام
مسكوبةٌ نجومُه في غدٍ من التَّباريح
والينابيع المُقفلَة..
غابَ وجهُ أبي
وحَكَى الفِراشُ والوِسادةُ
كيفَ كانَ التُّرابُ مُنتظِراً
احتضانَ الجَسدِ المَسروقِ منَّا
شَاخصةً أبصارُه على الفيضاناتِ المُرتعِشةِ
من اللاءاتِ في أقفاصِ حَناجرنا…
غابَ وجهُ أبي…!!!
وأسبلَ الموتُ جفنَهُ على جسدِهِ
في النَّعْشِ المُسافرِ صوبَ المَقبرة
« سلِّم على أمّي» … صرخْتُ بصمتٍ
وتجمّدتْ غُصّتي في قاعِ حَنْجَرتي.
***

عكّازُ أبي
غيمةٌ تظلِّلُ بيتنا،…
إذا مرَّ بخاطري وقعُ عكَّازه تُورقُ اللحظاتُ،
وتجتاحُ وقتي أغنياتُ الفرح
عكَّازُ أبي كانَ منذُ شهرٍ…
وصارَ مَوجتي التي تُلقيني
على ضفافِ الجذور
التي يسافر فيها النَّسغُ نحوَ الحياة
أحملُهُ حقيبةً في موكبِ الوداع
وجهُهُ المغطَّى بعباءةِ السّنين
مضى حائراً
أسلمَ جبينَهُ للريحِ
هاهو يسندُ النّهارَ براحة يديه،
ويعبِّئُ رئتَيْه بالضَّوء
قابضاً على عكَّازه كأنَّما يعرفُ
أنَّ الموتَ قد برعمَ، والأوراق اصفرَّتْ
لابساً عطشَ الحجرِ في أعالي الغيم!!
ما ماتَ أبي
هل سمعْتَ أيّها السُّكونُ
المُشتعلُ بالخراب؟!!
ما ماتَ أبي…

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة