الصحة والصداقة

هل نقضي أوقاتنا مع الأشخاص المناسبين لصحتنا؟
هذا السؤال ما كان ليرد على ذهني قبل قراءتي لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مؤخراً عن “قوة الاشخاص الايجابيين”، وذلك استناداً إلى آراء علمية حديثة.
نحن نركز في العادة على النظام الغذائي والتمارين الرياضية لتحقيق صحة أفضل، لكن التقرير يؤكد أنها تتأثر أيضاً بالأشخاص الذين يحيطون بنا، ويشغلون الكثير من أوقاتنا، وقد أشار إلى أن بعض السلوكيات تبدو معدية، وأن شبكاتنا الاجتماعية، الشخصية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن تؤثر على أوضاعنا الصحية والنفسية.
ربما يرى كثيرون أن النتيجة التي يعرضها التقرير من البديهيات، وأن لدى كل واحد منا القدرة على تقييم علاقاته وتمييز ما هو إيجابي أو سلبي، ولكن حتى وأن كانت كذلك فان قيمتها، كما أرى، تكمن في راهنيتها، أي في اللحظة التاريخية التي تكاد تتآكل فيها الصداقات، وتتفكك عرى العلاقات الاجتماعية، تحت تأثير المتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم.
يقول التقرير، أن حركة الأشخاص اليومية تتأثر بشبكتهم الاجتماعية بقوة، وأن الالتزام بالتمارين الرياضية والصحية ليس كافياً لوحده من أجل تحقيق الاتساق الصحي والنفسي من دون تحقيق زيادة في التفاعل مع المحيط الاجتماعي، وقضاء المزيد من الوقت في التسامر مع أناس سعداء متفائلين.
ووفقاً لتجربة أجريت على مجموعة تراوحت أعمار أفرادها بين 17 و90 عاماَ وقد تعرضوا جميعاً لمستويات مختلفة من الأزمات والشدائد بما في ذلك الاصابة بأمراض خطيرة كالسرطان وفقدان البصر، استطاع الكثير منهم اجتياز رحلة العافية والشفاء بسبب الصداقات الإيجابية التي أحاطتهم بأجواء من التفاؤل والأمل.
ماذا يعني هذا؟
يعني أنه يمكن للأصدقاء أن يمارسوا تأثيراً قابلاً للقياس ومستمراً على سلوكياتنا الصحية بطريقة لا يستطيع نظامنا الغذائي أن يفعلها أبداً.
وعودة إلى السؤال الذي أثاره تقرير الصحيفة الأمريكية، يبدو الارتباط واضحاً بين الصحة والصداقة، وانهما يسيران معاً، وجنباً إلى جنب.
من المهم جداً أن نعنى بصداقاتنا مثلما نعنى بصحتنا، ومن أجل ذلك، علينا أن نعمل على تنظيم شبكة علاقاتنا لاسيما وأنها باتت خليطاً غير متجانس من صداقات حقيقية وأخرى افتراضية أتاحتها تكنولوجيا التواصل الحديثة، والخطوة الأولى تبدأ بالبحث عن الذين لديهم اهتمامات مماثلة، ومشاعر وقيم مشتركة، والأهم أن يكونوا من الأشخاص الإيجابيين الذين “يفتحون النفس” كما نقول في سردياتنا العراقية.
جميع البشر لديهم ميل طبيعي لأن يكونوا متفائلين.
حتى لو وُلدنا في بيئة قاتمة لا يزال بإمكاننا العثور على شعاعنا الداخلي الذي يقودنا إلى التفاؤل.
فريال حسين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة