محاصصة نصف دسم

هل يمكن ان يتحقق التغيير المنشود في هياكل دولة المحاصصة من خلال التزام الكتل السياسية بتقديم مرشحين الى المناصب يتمتعون بالكفاءة والتخصص والخبرة، وبتشكيل فريق حكومي غير موزع الولاء والانتماء والهوية على الكتل السياسية تبعا لحجومها وكمشة المقاعد التي تملكها؟.
المتفائلون يقولون «نعم» والمتشائمون يقولون «لا» والواقعيون، وأزعم انا من بينهم، يجيبون بالقول «لعم» بالمعنى الذي يعطي للنوايا والصدقية والتدخلات الخارجية دورا ما، فيما الجميع موزعون بين ذلك وذاك وهذا، وسط اجماع على هجاء كورالي تشارك فيه اصوات مختلفة، وعلى مدار الساعة، لنظام المحاصصة وذم تجربة السنوات الخمس عشرة الماضيات المليئة بالكوارث والذنوب مسجلة على مسؤولية المحاصصة والمحاصصين.
من زاوية معينة يبدو ان خيار المحاصصة تصدع الى حد كبير، مع هزيمة (أو انتكاسة) اركان دولة المحاصصة في انتخابات 12 ايار، لكن تفكيك هذه الدولة ليس سهلا اذا اخذنا بالاعتبار ان عقدا ونصف العقد من البناء المشوّه للسطات وشبكات الادارة خلق ملاكات و»حراسات» ارتبطت عضويا بالكتل المتنفذة، لا بالدولة، وانها ستقاوم بضراوة عملية الانتقال الى دولة المواطنة وتكافؤ الفرص والمساواة والنزاهة، واللافت، ان المحاصصين صاروا يتحدثون الان عن «الاستحقاق الانتخابي» وتحميل المعنى حشوة المحاصصة مع بعض التوابل والمحسنات.
لا نتحدث عن «حقوق» الكتل الفائزة في تشكيل وادارة الفريق الحكومي ورسم سياساته وبرامجه ومراقبة ادائه، فانها فروض انتخابية، وواجبات تتصل بالتعهدات امام الناخبين، وتمليها اشارات وفيرة في الدستور، والاعراف الديمقراطية.
لقد جرّت المحاصصة (تحويل المسؤوليات الى امتيازات ومكاسب) السلطة التشريعية وهياكل الدولة والمجتمع كله الى تناحر مصالح فئوية (طائفية واثنية ومناطقية) شرسة، وصار الزعماء السياسيون مرجع الوزراء وكبار المسؤولين، وشهدت المرحلة تداخلات وتناقلت في المواقف اساءت لمعايير المسؤولية والولاء ومرغت سمعة الوظيفة بالوحل، وفتحت مصاريع البلاد امام فساد واعمال نهب واهدار غير مسبوق، ولدينا أمثلة لا حصر لها عن موظفين كبار غضبت عليهم كتلهم فاضطروا الى تبديل ولائهم الى حيث يتقون إملاءات وُلاتهم وتغيير، خيمتهم الى حيث يأتمنون الحساب.
لكن الخطيئة التي ضربت نظام العدالة وشوّهت قيم النزاهة والمساءلة وسمعة الوظيفة والمسؤولية تتمثل في تمتع الموظف «المحاصصي» الذي يرتكب مخالفات وشنائع وتجاوزات ادارية ومالية بحماية الكتلة التي اختارته للمنصب، واحيانا تتداخل كواليس الكتل النافذة لتتبادل التغطية على الموظفين الفاسدين كما يتبادل المحاربون الاسرى، او كما يحدث في العالم السفلي للمافيات
*************
رسول حمزاتوف
«لا يغرنك سهولة الصعود إذا كان المنحدر وعراً».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة