( 1ـ 2)
شهادة إعلامي موصلي عن ليلة سقوط مدينته
نينوى ـ خدر خلات :
الإعلامي والناشط الموصلي أحمد الملاح، قدم شهادته حول الأيام الأخيرة قبل وفي أثناء سقوط مدينة الموصل بيد عصابات داعش الإرهابية، وهو إذ يسرد تلك الأحداث المؤلمة، ينبغي الإشارة الى الأخطاء الكارثية التي سبقت ذلك السقوط المدوي، والذي كلف العراق آلاف الشهداء والجرحى وبضعة ملايين من النازحين والمهجرين الذين لم يلتم شمل أكثرهم لحد اليوم.
يقول الملاح “نعود بالأحداث إلى أيام قبل تلك الليلة التي سقطت فيها المدينة يوم 5 يونيو 2014، تتسارع الأحداث في المدينة بعد يوم خال من أي هاجس أمني سوى شائعة عن فرض حظر التجوال، التي تبين أنها حقيقة، تم فرض حظر التجول من قِبل قيادة عمليات نينوى، وهي قيادة الجيش المسؤولة عن الموضـوع الأمنـي في المدينة، وتابعة مباشرة لرئيس الـوزراء آنذلـك نـوري المالكـي”.
ويضيف “يجلس الموصليون في بيوتهم ليترقبوا ماذا يحدث، أخبار عن سقوط سريع لمناطق غرب الموصل على يد مقاتلين، وصفهم أهالي الأحياء التي دخلوها بالوحوش المدربة، ليخرج محافظ المدينة أثيل النجيفي مطالباً بتسليح الأهالي الذي لم ينفذ، وتتسارع بعدها الأحداث ليخرج قائد عمليات نينوى، مهدي الغراوي، على قناة العراقية، القناة الحكومية العراقية الرسمية، ومعه مستشار رئيس الوزراء لشؤون العشائر، أنور الندى، وهو بزي عربي ومرتديًا سلاحه، وهم يقفون أمام أحد جسور المدينة وأحد الجنود يرمي بسلاح متوسط على الجانب الأيمن من المدينة، وهناك 3 أو 4 سيارات من نوع همر، الأمر الذي جعلني أتوقف وأعيد حساباتي فقد كنت أتوقع أن المدينة لن تسقط، فمنظر قائد عمليات نينوى الغراوي لا يوحي بالثقة أبدًا، وتلك القوة البسيطة لا توحي بقدرة قتالية ولا حتى دفاعية، كنت جالسًا أمام التلفاز وبيدي الهاتف النقال كما هو حال الـ3 ملايين من أهالي مدينة الموصل أترقب ما الذي يحدث، محاولًا فهم الوضع في المدينة”.
وتابع الملاح “أجريت بعض الاتصالات مع شخصيات موصلية، منهم أعضاء في المجلس البلدي للمدينة وبعض الضباط، كان الكلام أن هناك تقدماً للقوات العراقية على الأرض، وتم دفع مقاتلي تنظيم الدولة عن المنطقة التي يسيطرون عليها، وبقيت ساعات قليلة وينتهي الأمر”.
منوهاً الى انه كان “غير مقتنع بهذا الكلام أبداً، لذلك حاولت الاتصال بشخصيات من ضباط الجيش العراقي السابق، وبعض رجال المدينة، ووجهاء المناطق، كان الكلام العام أن الجيش غير قادر على الدفاع عن المدينة، وهناك رغبة حقيقية لمساندة الجيش والشرطة والحكومة المحلية، وهم على استعداد للقتال لو تم تسليحهم وطُلب منهم ذلك، كان هناك حراكً شعبيً لغرض الحفاظ وحماية المناطق، وعودة أهالي المدينة لتجربة 2003، وما يعرف في ذلك الوقت بوقفة المساجد، وهي وقفة قادتها مساجد المناطق في الموصل تم من خلالها الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة من حركة الغوغاء التي صاحبت احتلال العراق على يد الأميركان، لكن العائق متعلق بعدم امتلاك الأهالي السلاح، إضافة لخوف الأهالي من الاصطدام مع الجيش؛ فقد عملت حكومة المالكي على منهجية الإقصاء لثاني أكبر مدن العراق، فقد مُنع أهالي المدينة من حيازة الأسلحة وحتى الشخصية للدفاع عن النفس أو المنازل، ويتم مصادرة السلاح واعتقال صاحبه عند اكتشاف حيازته لقطعة سلاح بسيطة”.
ولفت الملاح الى انه “تم الضغط بشكل كبير على المدينة حتى وصل الأمر بفرض قوات الجيش والشرطة الاتحادية إتاوات (مبالغ مالية تدفع بالإكراه لتجنب الاعتقال أو القتل)، كان آخر من فرض عليهم تلك الإتاوة هم أصحاب ساحات وقوف السيارات؛ حيث قامت قيادة عمليات نينوى بغلق جميع ساحات وقوف السيارات، ومنع أصحابها من العمل لحين دفع مبلغ مالي يقدر بـ 10 آلاف دولار للساحة لكي تعود للعمل؛ ما جعل الأمر يصل لحالة التبجح بإهانة المدينة وأهلها، وتهميش دور الإدارة المحلية، إضافة لإجهاض أي محاولة لتشكيل قوة من أبناء المدينة أوتطويعهم في الجيش أو الشرطة، أو تشكيل فرقة يشرف عليها ضباط المدينة وتكون خاصة لحماية وحفظ الموصل؛ الأمر الذي جعل أهالي المدينة يشاهدون من دون حول ولا قوة ومدينتهم تنتزع أو تسلم من دون أي دور يذكر لهم”.
يُتبع بالقسم الثاني والاخير.