آنا بورشفسكايا
ازدادت حدة التوترات بين إسرائيل وإيران، وانفجرت لتتحول إلى تبادل عسكري بين البلدين في سوريا. غير أن النتيجة النهائية لهذا التصعيد لم تتبلور بعد. ومع ذلك، فإن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هو الفائز حتى الآن [في هذه المعركة].
وبالنسبة للكرملين، تمثل التوترات بين أي طرفين – سواء كانوا أصدقاءً أم أعداء – فرصاً لإضعافهما، وبالتالي تعزيز مكانة موسكو في هذه المعادلة. ومن المرجح أن ينظر بوتين إلى التوترات الحالية بين إسرائيل وإيران من المنظار نفسه.
وفي حين قد يفضل بوتين أن تهدأ هذه التوترات الحالية بدلاً من أن تتأجج، حيث أن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة لا تزال مبهمة، كما كانت عليه خلال السنوات الماضية، فمن السهل على موسكو أن تواصل التدخل وإظهار نفسها بصورة «صانعة السلام» القادرة على محاورة جميع الفرقاء.
ومع تفاقم الأزمة بين إسرائيل وإيران خلال الأشهر السابقة، اتخذ الكرملين موقفاً محايداً ظاهرياً، على الرغم من أنه كان واضحاً في الواقع أن موسكو اقتربت أكثر من إيران، شريكتها الرئيسة في المنطقة، في حين توترت علاقات روسيا مع إسرائيل.
فعلى سبيل المثال في شباط/فبراير المنصرم، حثت وزارة الخارجية الروسية على «ضبط النفس من قبل جميع الأطراف»، لكنها لم تقرّ بالأسباب المشروعة التي دفعت إسرائيل إلى اللجوء إلى شن الضربات.
وفي أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية على قاعدة «التياس» (T-4) السورية في 9 نيسان/أبريل، قالت موسكو (التي كشفت إسرائيل منذ البداية، على الأرجح لأن بوتين كان غاضباً من إسرائيل لأنها لم تبلغ موسكو أولاً بخطوتها) إنها قد تبيع نظام «أس-300» إلى الدكتاتور السوري بشار الأسد.
ومع ذلك، ففي أعقاب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى موسكو والعملية العسكرية الإسرائيلية في سوريا، تراجع بوتين عن بيع نظام «أس-300» إلى سوريا – في الأقل في الوقت الراهن، على الرغم من أن الكرملين سارع إلى الإشارة علناً إلى أن زيارة نتنياهو ليست لها علاقة بالقرار. وخلال الأيام التالية، بدا أن موسكو قد غيّرت موقفها من إيران.
وعندما سافر الأسد إلى سوتشي والتقى ببوتين في 17 أيار/مايو، أفادت بعض التقارير أن الرئيس الروسي قال إنه «فيما يتعلق بالانتصارات الكبيرة والنجاح الذي حققه الجيش السوري في المعركة ضد الإرهاب… سيتمّ سحب القوات المسلحة الأجنبية من أراضي الجمهورية العربية السورية».
وفي وقتٍ لاحق، أوضح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن بوتين كان يعني القوات الموجودة في سوريا «بشكل غير قانوني فعلياً من وجهة نظر النظام القانوني الدولي».
وعادةً، لا يعد الكرملين أن إيران موجودة بشكل غير قانوني في سوريا، لكن تصريح بيسكوف ترك مجالاً للالتباس، إذ أشار إلى أن هناك دولة واحدة فقط – هي روسيا – الموجودة في سوريا «بصورة قانونية».
ومن جهته، أسهب المبعوث الخاص لبوتين إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف في شرح المسألة قائلاً إن تعليق بوتين كان موجهاً إلى الولايات المتحدة وتركيا وإيران و «حزب الله». ولكن بينما أثار تصريح لافرينتييف رداً غاضباً من طهران، إلّا أنه أضاف أن تعليق بوتين هو «بيان سياسي» أكثر منه بداية انسحاب فعلي.
وفي هذا السياق، من غير المرجح إلى حدّ كبير أن يمارس بوتين أي ضغوط جدية على إيران. إلا أنّ تراجع قوة الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط سيكون لصالحه، لأنه سيعزل أي منافس جدي محتمل، في حين أن واقع معرفة إسرائيل أن هناك حدود لسلطتها وكونها مُدينةً لبوتين لن يؤدي سوى إلى رفع مكانته الإقليمية.
وينظر الكرملين إلى العلاقات من منظار ديناميكيات القوة، ويفضّل الأفراد التابعين على الشركاء المتساوين. وفي هذا السياق، لا يعد السلام الحقيقي في مصلحة بوتين، كما أنه غير قادر فعلياً على الاضطلاع بدور الوسيط الفعلي.
ويمثل عداءه للقيم الديمقراطية الغربية تحدياً خطيراً بل أقل إلحاحاً بالنسبة لديمقراطية إسرائيل على المدى الطويل. فالشرق الأوسط متقلب ولا يمكن التنبؤ بأحداثه. ولكن من دون وجود أميركي قوي ومتماسك، من المرجح أن يحظى بوتين بموقف أقوى في المنطقة.
*آنا بورشفسكايا .. زميلة «آيرا وينر» في معهد واشنطن.