الآثار السلبية لإنشاء سد اليسو على نهر دجلة وعلى دول الجوار.. العراق وسوريا

(دراسة في تقويم المجازفة)
رمضان حمزة محمد

يعد انشاء السدود المتعددة الاغراض احد اكبر واهم مشاريع الهندسة المدنية التي تنفذ لتحقيق اهداف التنمية الاقتصادية، ولكن في كثير من الحالات هناك تأثيرات سلبية على البيئة وخاصة تأثير السدود الكبيرة على انظمة الانهار الرئيسة كالتغيرات الجيومورولوجية والهيدرولوجية والبيئية ونهر دجلة احد اهم الانهار العالمية العابرة للحدود وثاني اكبر نهر في جنوب غرب اسيا والتي يشترك فيها كل من تركيا،العراق،سوريا،وايران، وبطول كلي يبلغ نحو(1840) كيلومترا
سد اليسو ينفذ في اعالي حوض دجلة في دولة تركيا ضمن مشروع عملاق في جنوب شرق تركيا يعرف بمشروع (كاب) ويشكل انشاء هذا السد عنصرا رئيسيا من خطة متكاملة لتنمية المياه المخطط لها في عام 1970 لمستجمعات المياه في اراضي اعالي نهر دجلة عن طريق تخزين المياه لري نحو 121000 هكتار من الاراضي الزراعية وتوليد الطاقة الكهرومائيىة
بناء وتشغيل سد اليسو في حد ذاته، سوف يؤثر تأثيرا كبيرا على هيدرولوجية ومورفولوجية وبيئة نهر دجلة وبيئة المنطقة التي يجري النهر من اراضيها حيث سيغير من نمط تدفق المياه الموسمية عن طريق حجز جميع حمل النهر من الترسبات التي تتدفق اثناء فيضان النهر في فصل الربيع وسيسبب في تقليل تدفقات النهر في فصل الصيف الى سوريا والعراق الى مستويات متدنية بحدود 60 مترا مكعبا في الثانية، أن تشغيل السد لاغراض الري والزراعة سيتم بموجبه تحويل جزء كبير من مياه النهر للغرض اعلاه وسيقلل من تدفق المياه من خزان سد اليسو الى مجرى نهر دجلة الطبيعي لان ملء خزان سد اليسو سيسبب في انخفاض تدفق المياه الى دول المصب وهي العراق وسورية مما يخلق ظروفا صعبة جدا سيما ان المنطقة تشهد سنوات من الجفاف الشديد وظروفا مناخية قاسية. لذا فإن خزان سد اليسو سيكون عائقا امام موجات الفيضان الكبيرة والتي تساعد في تجديد المواد الانشائية من المواد الغرينية والرملية والحصوية (ونقص هذه المواد يؤثر سلبا على اسعارها وجودتها ولا سيما اقليم كوردستان يشهد حملة واسعة في مجال الاعمار والنهوض الحضاري ) والترب الزراعية الخصبة والمواد العالقة والغذائية ويسبب في نقص الأوكسجين والمواد العضوية للثروة السمكية في نهر دجلة وتخفيض منسوب المياه الجوفية في المكامن التحت الارضية في منطقة مرور مجرى النهر وسيكون مشروع ماء دهوك الرئيسي المقام على نهر دجلة في منطقة «خراب ديم» من اوائل المشاريع المائية ذات البعد الاستراتيجي والانساني الذي سيتأثر بنقص الامدادات المائية في مجرى نهر دجلة وحتى ربما يصل هذا التأثير الى المناطق المجاورة لمجرى النهر كذلك. بالاضافة الى هذا فانه من الممكن أن يؤثر اقامة هذا السد سلبا على توليد الطاقة الكهربائية وخزن المياه للاغراض المختلفة من السدود المقامة على نهر دجلة في العراق مثل سد الموصل والمشاريع المائية الاخرى المقامة على مجرى نهر دجلة داخل العراق حتى ملتقاه بنهر الفرات في كرمة علي قرب البصرة في غضون بضعة سنوات لان اقامة هذا الخزان على سد اليسو سيؤدي الى مستوى كبير من التقلبات الموسمية على طول مجرى نهر دجلة، وعند منع الرواسب الخشنة والناعمة من الوصول باستمرار وبشكل طبيعي الى مجرى النهر من خزان سد اليسو فان مياه النهر تميل للحث وتآكل ضفاف وقاع النهر باستمرار مما يغير شكل النهر الهندسي، وتخفيض مستوى مناسيب النهر وزيادة مستويات عالية من المواد الملوثة من مياه الصرف الصحي ومياه الصرف الزراعي الى مجرى النهر بدلا من الجريان الطبيعي قبل تنفيذ هذا المشروع لان التلوث سيسبب في تقليل ونقص ملحوظ للأوكسجين المذاب في مياه النهر لعدم وجود محطات معالجة الصرف الصحي اسفل السد. ان نقص إمدادات المياه الى العراق وسورية سيسبب في تدهور نوعية المياه السطحية والجوفية على حد سواء بسبب قلة الوارد المائي الخارج من خزان سد اليسو وتصريف مياه البزل من الاراضي الزراعية التي تروى من مياه خزان السد اضافة الى ما ذكر فان النتائج المترتبة على انهيار السد بسبب اي حادث أو عمل من أعمال الطبيعة او الانسان ستكون كارثية انسانية لا يحمد عقباه وسيؤثر على حياة ملايين الناس الذين يعيشون على ضفاف مجرى النهر، وفي فصل الصيف فان قلة الوارد المائي في مجرى النهر ستعرض مناطق واسعة من مناطق اسفل السد الى ان تكون مأوى رئيسي لناقلات الأمراض مسببة امراض مثل الملاريا وغيرها. وهذا التلوث يخلق أخطارا صحية على عامة الناس الذين يشربون مياه النهر ويتناولون الأسماك التي يتم صيدها في مجرى النهر. ان ظروف نقص الأكسجين في النهر على الأرجح يسبب في زيادة مستويات أعلى بكثير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثل غاز الميثان كل العوامل التي تم ذكرها بايجاز تسبب تشوها وتغير شكل النهر ومورفولوجيته الطبيعية القائمة قبل اقامة السد وحجز المياه في خزان السد.
اذا لم تعالج الآثار التراكمية التي تنجم من انشاء سد اليسو وفي حالة تجاهل اثارها العابرة للحدود، وعدم تحليل هذه التأثيرات على مدى دورة حياة المشروع بشكل علمي وعملي واتخاذ قرارات رئيسية بخصوص نظام تشغيل سد اليسو لمدة لا تقل 20 عاما مثلا مع بيان التخطيط الاداري البيئي، وكذلك تقويم الاثر البيئي لكافة منظومات المشروع قبل واثناء وبعد تشغيل السد ومحاولة تحليل آثار هذه المنظومة واقتراح اية إجراءات اخرى للتخفيف التي يمكن اتخاذها للحد من الآثار السلبية منها التشاور الدائم والمستمرمع الدول المتشاطئة لإقامة قاعدة بيانات عامة للمشروع فان كارثة حقيقية ستواجه سكان العراق بشكل عام والسكان المقيمين على ضفاف او بالقرب من مجرى نهر دجلة بشكل خاص في المستقبل المنظور.
ان الدراسات الفنية لمشروع سد اليسو ومنها دراسات الخلفية الزلزالية ودراسة التقييم للآثار البيئية للمشروع من ضمنها دراسة اثار منطقة حصن كيف ذات التراث الانساني يجب ان تعرض على هيئة علمية متخصصة مثل مجلس الخبراء العالمي للسدود للبت فيها وتحديد مكامن الضعف والخلل ان وجدت في دراسة هذا السد المثير للجدل والذي توقفت دول اوروبية كثيرة عن المشاركة في تنفيذ وتمويل هذا المشروع على مدى السنوات الماضية وهناك حملة عالمية لجمع التواقيع لغرض انقاذ تراث حصن كيف الانساني من الغرق في خزان السد، ان وضع ودراسة نماذج السيناريوهات التنفيذية لأوضاع مستجمعات المياه اعلى واسفل السد وانهيار السد في المستقبل لاي سبب لا سامح الله، وعمل النمذجة للترسبات التي تحملها النهرمع نمذجة تدفق تصاريف النهر اسفل السد تعد امرا غاية في الاهمية لتفادي اية مجازفة عند اكمال السد.

*كبير خبراء الإستراتيجيات والسياسات المائية في كردستان

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة