كوميديا الأكاذيب والنفاق الاجتماعي

عبد السادة جبار

الاختباء وراء الأكاذيب قد يحمل في أحيان كثيرة تبريرات تفرضها ظروف واقع تضبطه سلوكيات تشكلت على وفق الواقع نفسه، برغم الخوف والاضطراب الذي يرافق ذلك التخفي في مجتمع يطلي سلوكياته بقشرة تبدو براقة جميلة قابلة للتشقق أو الذوبان حال تعرضها لمواجهات مع الحقيقة. المخرج والكاتب « جاستين زاكهام « يقدم تجربته الثانية في فيلم يحمل عنوان « الزفاف الكبير» على الطريقة التقليدية للأفلام الاجتماعية الكوميدية التي تتناول العلاقات العائلية المفككة المستورة أو المخبأة بغلاف الابتسامات والمجاملات خوفاً من اكتشاف الوهن والضعف الأسري في تلك العلاقات، لا يختلف فيلم «الزفاف الكبير» عن معظم الأفلام التي تدور قصصها بشأن حفلات الزفاف الأميركية، من حيث أن معظم أحداثها المثيرة لاهتمام المشاهدين هي تلك التي تقع قبل حفل الزفاف وتمهد الطرق إليه، فالفيلم يعج بالمقالب والمفارقات المضحكة المصنوعة بحبكة رائعة تضعنا أمام سخرية من الموقف والشخصيات المضطربة والمتناقضة أحياناً، إنها لعبة التصنع لإنجاز مهمة زفاف بأسرع وقت ممكن وبأفضل ظهور اجتماعي بما يجعله بالوناً جميلاً مثيراً للاهتمام والحذر الدائم من تقريب أي شيء حتى لو كان صغيراً يمكن أن يكون بمنزلة دبوس يفرقع ذلك البالون ليحول ذلك الفرح الى مأساة قاسية.
حكاية الفيلم
تعود «ايلي» الممثلة (ديان كيتون ) إلى البيت الذي عاشت به عشرين سنة قبل طلاقها من زوجها «دون جريفت» الممثل « (روبرت دينيرو)، وعودتها بناء على دعوة تلقتها من العائلة لحضور مراسم زفاف الابن الأكبر بالتبني «اليخاندروز» الممثل (الممثل بين بارنز )، وجريفت يعيش مع صديقته « بيبي» من دون زواج مع ولديه اليخاندرو وجاريد وتحضر الدعوة أيضاً ابنتها ليلي (الممثلة كاثرين هيجيل). ابنة ايلي وهي تعيش أزمة مع زوجها ويكادا أن ينفصلا لكنها لم تذكر لهم بأنها حامل، إلا أن المفاجأة غير السارة إن والدة اليخاندرو مادونا (الممثلة باتريشيا راي) ستحضر الزفاف قادمة من بلدها كولومبيا لحضور حفل ابنها. إلا أن الأمور تواجه موقفاً معقداً، حيث أن مادونا الكاثوليكية المتدينة لا تؤمن بالطلاق، ولم تكن على علم بأن والدي ابنها بالتبني مطلقان، وكان على بيبي أن تغادر البيت، إذ أن وجودها قد يربك الزفاف ويفضح كل شيء، وعلى ايلي وجريفت أن يمثلا دور الزوجين العاشقين إلى أن ينتهي الأمر بسلام، لكن بيبي لايسرها هذا الأمر فتصر على أن تمثل دور المشرفة على مائدة الطعام في حفل الزفاف لتبقى إلى جوار جريفت، كما إن ابنة مادونا من زوج آخر نوريا (الممثلة آنا أيورا) قد قدمت معها لحضور الزفاف لتتعلق بابن ايلي وهي تبدو أكثر تحرراً من والدتها، وهكذا تزداد الأمور تعقيداً بكوميديا المواقف والشخصيات لينتشر الكذب والتمثيل والتزييف مما يزعج العروسين ليقررا الهرب عن طريق البحيرة بزورق ليتما زواجهما عن طريق القس بعيداً عن الأقنعة والإرباكات التي سببها لهما أخطاء الكبار، إلا أن سقوط أم العروس في النهر أعاد الاثنين إلى العائلة ليجري زواجهما بين الجميع وتكتشف مادونا اللعبة فتعاتب ابنها لأنه سبب إحراجاً لمن حوله، وجعلهم يكذبون من أجل سعادته، وينتهي الأمر بزواج جريفت من بيبي رسمياً والتحاق زوج ليلي بها بعد أن يسعده انها أصبحت حاملاً، وهكذا يكون الفيلم سلسلة متواصلة من التقلبات والانعطافات غير المتوقعة والمواقف الكوميدية الصاخبة التي تتخللها النكات المرحة. وتشتمل الأحداث على مواقف كوميدية مثيرة تنتقل إلى مواقف درامية تضم مواقف عائلية مؤثرة.
الإخراج والأداء
كتب جاستين زاكهام سيناريو الفيلم المقتبس عن سيناريو الفيلم الفرنسي – السويسري المشترك «أخي سيتزوج» للكاتبين السينمائيين السويسريين جان – ستيفاني برون وكارين سودان العام 2006، وقد أعرب بعض النقاد عن استغرابهم من ظهور هذا العدد الكبير من نجوم هوليوود القديرين في فيلم لمخرج مغمور نسبياً كالمخرج جسستين زاكام الذي يقتصر رصيده السينمائي السابق على إخراج فيلم واحد فقط العام (2001) ، إلا أن المخرج قد نجح بشكل كبير في جمع مجموعة كبيرة وجيدة من ممثلي هوليوود المخضرمين الذين يجسدون شخصيات الفيلم بواقعية منتظرة من مثل هؤلاء الممثلين القديرين الذين فاز أربعة منهم بجوائز، وهم روبرت دينيرو وديان كيتون وسوزان ساراندون وروبين وليامز، حيث فاز بعضهم بخمس جوائز أوسكار وتسع من جوائز الكرات الذهبية، إذ يتميز هؤلاء الممثلين بقدرتهم على التحكم في دقة التوقيت في أداء الأدوار الكوميدية والتفاعل فيما بينهم في التعبير بواقعية عن العلاقات بين أفراد أسرة مفككة، وكالعادة لعب الممثل البارع روبرت دينيرو دوره بتلقائية ليس من السهل على أي ممثل آخر أن يلعبها بهذه القدرة حيث يشعر المشاهد إن هذا الممثل لديه إمكانات أسطورية في تغيير الأدوار وتقمصها بشكل مدهش، وقد بلغت كلفة الفيلم 35 مليون دولار وجنى أرباحاً تقدر بـ32 مليون دولار وهي نسبة جيدة بالنسبة لفيلم كوميدي اجتماعي وسط أفلام الحركة والفنتازيا والخيال العلمي، وقد تضاربت أراء المشاهدين بشأن الفيلم، فالبعض يرى إن الفكرة مكررة لكن الإبداع هنا ظهر في أداء الممثلين والمونتاج والموسيقى الجميلة المرافقة للمشاهد، وبعضهم رآه فيلماً جيداً وفيه روح النكتة والكوميديا، ووجود روبيرت دينيرو أضفى جواً مرحاً على أحـداث العرض، وقد أتقن البقية أدوارهم ببراعة وبخفة ظل لا يمكن وصفها، خصوصاً في المشاهد الأخيرة من الفيلم، وقد أثنى بعض النقاد على الفيلم إذ عدّوه فيلماً مميزاً عن أفلام هوليود الكوميدية بما يحمله من حس أخلاقي ونقد جريء لحياة العائلات الارستقراطية الغارقة بالتمثيل وتزييف حقائق عيشهم، إلا أن بعضهم عدّ نهاية الفيلم كأنّها محاولة إصلاحية وتوفيقية لعلاقات لايمكن معالجتها بهذه العجالة لما يكتنفها من تناقضات واختلافات جذرية وجوهرية.

فيلم «The Big Wedding»، تمثيل: روبرت دي نيرو، دايان كيتون، كاترين هيكل
إخراج : جاستين زاكهام

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة