الأزمة في شبه الجزيرة الكورية وآفاق الدبلوماسية الإيجابية

د. أسعد كاظم شبيب

تعود الأزمة في شبه الجزيرة الكورية إلى سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـــ 1945)، حيث التركة من الهيمنة والنفوذ بين الثنائية القطبية المتمثلة بالولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي السابق على الدول الخاسرة، وفي تلك الفترة كانت شبه الجزيرة الكورية تحت سيطرة اليابان سياسياً وعسكرياً، وبخسارة اليابان في الحرب العالمية الثانية، تحررت شبه الجزيرة الكورية من سيطرة اليابانيين من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، فحررت الأخيرة القسم الشمالي من شبه الجزيرة الكورية، وظل تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي سياسيا وإيديولوجيا حتى بعد إنهياره، بينما أصبح القسم الجنوبي من شبه الجزيرة تحت نفوذ الولايات المتحدة الاميركية وإلى يومنا هذا.
دخل البلدان صراعا أهلياً عنيفاً في عام 1950 شارك السوفيت والصين إلى جانب كوريا الشمالية، مما جعل الولايات المتحدة الاميركية تتدخل لصالح صد قوات كوريا الشمالية من إحتلال كوريا الجنوبية، وظلت العلاقة بعد ذلك يسودها التوتر والقطيعة حتى ما بعد توقيع الهدنة في العام 1953، وبقت كوريا الشمالية تسير على خطى الاتحاد السوفيتي حتى بعد إنهياره في عام 1991، وبدأ مع بداية الألفية الثالثة تصعيداً كبيراً عندما أعلنت كوريا الشمالية في عام 2003 إنسحابها من معاهدة الإنتشار النووي، وهو ما أثار سخط خصوم الكوريين الشماليين من الكوريين الجنوبيين ومن اليابانيين فضلا عن حليفاهما الولايات المتحدة الاميركية، ومرت الدبلوماسية ما بين الأطراف الدولية والإقليمية في أشد حالات التوتر عندما أعلنت كوريا الشمالية في عام 2006 عن تجربة نووية، حتى أن الرئيس الاميركي جورج بوش الابن صنف كوريا الشمالية ضمن محور الشر الذي يتضمن إيران بعد إحتلاله للعراق، وحاولت كوريا الشمالية أن تتراجع عن إعلانها النووي في عام 2007 وقامت بإغلاق مفاعل (يونغبيون) من جديد، وترتب عن ذلك رفع الولايات المتحدة اسم كوريا الشمالية من على لائحتها الخاصة بالإرهاب، وحاولت دبلوماسية الطرفين في العام ذاته عقد قمة ما بين الرئيسين الشمالي والجنوبي إلا أن نتائجها كانت غير مثمرة. وفي عام 2012 أعربت كوريا الشمالية أنها ربما توقف أنشطتها النووية مقابل الحصول على الغذاء بعد جملة من العقوبات الاقتصادية من قبل المجتمع الدولي. من جانبها رحبت إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما بهذا التصريح ووصفته بالتقدم، وأعلنت عن قيامها بإرسال 240 طنا من المعونات الغذائية لكوريا الشمالية. وفي عام 2013 صدر قرار من مجلس الأمن يطالب كوريا الشمالية بإنهاء برنامجها النووي، لكن الأخيرة رفضت القرار في إشارة إلى تحديها للعقوبات الدولية ونيتها الإستمرار نحو هدفها بأمتلاك أسلحة نووية، رافق ذلك تصعيد غير مسبوق في التوترات الأمنية بشبه الجزيرة الكورية نتيجة لقيام كوريا الشمالية بتنفيذ ثالث تجاربها النووية يوم منتصف شهر شباط من 2013، كما خرجت تصريحات من كوريا الشمالية تصف الولايات المتحدة بأنها «العدو اللدود للشعب الكوري الشمالي»، وأستمر هذا التوتر خاصة بعد إطلاق كوريا الشمالية تجاربها على مستوى الصواريخ البالستية الحاملة للرؤوس النووية، وهو ما أثار سخط إدارة الرئيس الاميركي ترامب وحلفاءه من الكوريين الجنوبيين واليابانيين على حد سواء، ووصل الأمر بعد ذلك مباشرة إلى تهديد متبادل من قبل الرئيس الاميركي ترامب عندما قال: «لدي زر نووي أقوى وأكبر من زرك الجديد»، وأنه يمسك بزر إطلاق الصواريخ النووية، وهي دائما على أهبة الأستعداد. فيما أستخف وزير خارجية كوريا الشمالية بتهديد الرئيس الأميركي ترامب بتدمير بلاده ووصفه بأنه: «نباح كلب»، ويبدو أن هذا التهديد إعلامي يكمن خلفه نية من قبل الطرفين في فتح حوار مباشر وسريع لأسباب قد تنطوي لا عزل خصوم الولايات المتحدة كروسيا، والصين، وإيران، وتمثلت بوادر الإنفتاح الاميركي بزيارة بومبيو مدير وكالة المخابرات الاميركية CNN)) وقت ذاك إلى كوريا الشمالية واللقاء بزعيمها كيم جونغ اون، مما واجه إعتراضا من قبل تيلرسون وزير الخارجية الاميركي المقال والداعي إلى الحوار مع كوريا الشمالية لكنه أستفهم عن معنى الإنفتاح الاميركي دون المقدمات الضرورية مع كوريا الشمالية، تكلل عن هذا اللقاء الإتفاق عن عقد قمة مرتقبة ما بين الرئيسين الاميركي ترامب، والكوري الشمالي كيم جونغ اون، ولعل ما شهدته شبه الجزيرة الكورية في يوم الجمعة من شهر نيسان من عام 2018من لقاء على حدود الدولتين في منطقة (بانمونغوم) بين رئيس كرويا الجنوبية مون جاي الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة، ورئيس كرويا الشمالية كيم جونغ اون، كأحدى المقدمات الرئيسة لتسوية الخلافات مابين الطرفين الجاريين المتعاديين منذ أكثر من خمسين عاما، بعد محاولات ثانوية لعب دورا كبيرا كالسماح للفريق الأولمبي لكوريا الشمالية في اللعب مع نظيره الجنوبي في سيول، وعليه يمكن قراءة هذا التقارب الدبلوماسي غير المسبوق في التاريخ السياسي الحديث ما بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة من جانب، وكوريا الشمالية من جانب ثاني من خلال المستويين الآتيين:
1 – على مستوى شبه الجزيرة الكورية
يمثل اللقاء الثنائي ما بين أقطابها محاولة لترطيب الأجواء وطي صفحة الأعمال العدائية، وإنهاء مجالات الصراع ومنها النزاع حول إمتلاك السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، وحسب ما جاء في المؤتمر الصحفي للرئيسيين تعهدا بإنهاء الصراع بين الدولتين، وإيجاد سياسة جديدة متواصلة لبناء علاقات جديدة، إذ أن الرجلين توصلا إلى قناعة بأنه لا يمكن لشيء أن يفصل بينهما. من هنا، فهما يسعيان إلى تحقيق مطامح شعبيهما من خلال وضع سياسة جديدة مبنية على السلم والسلام، كل ذلك من خلال إطلاق مكاتب عمل مشتركة، لكن السؤال الأبرز الذي يحوط ببوادر حسن النية ما بين الطرفين الشمالي والجنوبي، إلى أي حد يتوقف نجاح هذه المساعي على تطور علاقة كوريا الشمالية الدبلوماسية بالولايات المتحدة؟.
2 – على المستوى الدولي
بالرغم من ترحيب حلفاء كوريا الشمالية من الروس، والصين، إضافة إلى الأوربيين، والأميركان بالتقارب الكوري ــ الكوري، وحلحلة حالة التوتر في منطقة أقصى شرق آسيا، لكن هناك إشكاليات قد تحيط بالتحالفات الدولية منها على سبيل الإفتراض ماذا سيكون موقف روسيا والصين من كوريا الشمالية في حالة تقارب الأخيرة من الولايات المتحدة؟، خصوصا وأن هناك زيارة مترقبة للرئيس الاميركي قد تنهي الخلافات الطويلة مابين الدولتين، وللإجابة على الإشكالية، فإن حقيقة التقارب الإيديولوجي في هذه الفترة أو حتى في المستقبل القريب غير مطروح نهائيا، لأسباب كثيرة منها: إن النهج السياسي والاجتماعي والاقتصادي السائد كقوانين وأعراف في كوريا الشمالية يقترب كثيرا من الإيديولوجية الإشتراكية الشمولية، في حين أن النهج الإيديولوجي الليبرالي في الولايات المتحدة مختلف بل هو في صراع إيديولوجي مع النهج الإشتراكي، إذن فإذا ما كان هناك تقارب أميركي ـ كوري يشبه بذلك العلاقة الدبلوماسية بين الاميركي ـ الصيني في عام 1979 لكنه يبقى في سياقاته الدبلوماسية الإعتيادية، كون الرؤساء الاميركيين ظلوا يعتقدون: طالما أن الصين دولة إشتراكية لا يمكن أن تنساق إلى علاقات فوق الطبيعية مع الولايات المتحدة، وعليه فأن هذا التقارب لا يزعج القطب الروسي ـ الصيني المناوئ للولايات المتحدة.
الإفتراض الثاني: ماذا سيكون الموقف المرتقب من اليابان تجاه الولايات المتحدة حليفها الإستراتيجي في حالة عدم تنازل كوريا الشمالية عن مسألة إمتلاك السلاح النووي وتصنيع الصواريخ بعيدة المدى، في ظل تقارير تقول: «إن أمريكا تدرك بأن كوريا الشمالية تمتلك سلاح نووي وبالتالي عليها أن تتعامل مع الشمالية على هذا الأساس»، وملفات معقدة أخرى كملف الـ(14) سجينا من اليابانيين في كوريا الشمالية منذ سنوات، وللإجابة عنها، فهناك جملة من المطالب منها: إن اليابان أعتقدت أن الوقت ليس مناسبا لتخفيف الضغط الاميركي عن كوريا الشمالية وأن أي تقارب مفاجئ يعد بمثابة الصدمة، والمطلب الثاني، إن الحكومة اليابانية بقيادة رئيس الوزراء الحالي شينزو آبي صعدت إلى السلطة عبر إخافة الجماهير من دول الجور وبالتالي فهي تميل إلى التشدد مع دول الجوار وفي مقدمتها كوريا الشمالية، وعليه أن موقف اليابان في ظل الحكومة الحالية لا ترغب في تقبل التقارب الكوري ـ الكوري من جهة والكوري الشمالي والولايات المتحدة من جهة أخرى، لكن في المنظور المستقبلي ستقبل الحكومة الجديدة في اليابان التطورات الدبلوماسية الإيجابية ما بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية، وبين الأخيرة والولايات المتحدة من جهة وكوريا الشمالية من جهة أخرى.

* مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة