نصيب

عادل الصفار

أية مصادفة هذه التي جمعته بعائلة بائسة تفترش جانباً من الطريق الذي يسلكه كل ليلة بعد خروجه من المكان الذي يرتاده المولعون باحتساء الخمرة الرخيصة.. ومن حسن حظهم ان مجبل يبدو سعيداً منذ أيام ببيته الذي أكمل بنائه على قطعة أرض منحت له كونه موظفا في دائرة الاتصالات مع قرض مصرفي لبنائها بعد ان كان يسكن غرفة في فندق بائس جداً.. توقف مجبل يسأل رب العائلة عن سبب جلوسهم على قارعة الطريق في مثل هذا الليل الموحش، فأخبروه بأنهم طردوا بسبب عدم تمكنهم من دفع ايجار الغرفة التي يسكونها.. وهنا كانت المفاجأة التي أفرحتهم، مجبل وبرحابة صدر يعرض عليهم ان يأتوا معه.. ومن غير سابق معرفة يفتح لهم باب بيته الجديد، الأمر الذي جعل رب العائلة ومن فرط فرحته بإزاحة هم السكن عن صدره ان يمنيه بالزواج من ابنة أخيه والتي تصغره بأكثر من عشرين سنة، فعلت الفرحة وجه مجبل ووعدهم بان يكون رجلاً مستقيماً ويترك فعل المحرمات.
*****
في اليوم التالي توجهت عيون الحي تحدق في وجه لم تألفه من قبل يسير بصحبة حسن وزوجته حتى توقفوا عند باب بيت خشبي قديم مفتوحاً على مصراعيه، ومجاميع من الاطفال تخرج منه وتدخل بصخب وزعيق يلعبون ويتدافعون ويشتبكون بالأيدي غير مبالين لكلام أي شخص يطلب منهم الكف والهدوء.. صاح حسن طالباً الدخول والتوجه صوب الغرفة التي تسكنها عائلة أخيه أبو علاء، وهنا ضحك مجبل من مشهد شخص يخرج من الحمام حاملاً بيده إبريقاً، وإبريق تحمله امرأة عجوز تهم للدخول.. وإبريق ثالث وضعه صاحبه أمامه جانباً منتظراً خروج المرأة ليدخل بعدها.. وداخل الغرفة وما ينتشر بها من أشياء مبعثرة جلس حسن ومجبل مع أبو علاء وجلست المرأة مع سمية وأمها، وعلى باب الغرفة تتصنت النسوة اللاتي تجمعن بدافع فضولي لشعورهن بأهمية هذه الزيارة.. قال حسن: مجبل شخص مهذب رائع، ويملك بيتاً بناه لتوه على طراز حديث، ويعمل موظفاً في دائرة الاتصالات، وهو بالتأكيد أفضل من شاب يعمل بأجرة يومية ولا يملك شيئاً ولا يعرف مستقبله، فما رأيك بان يكون زوجاً لابنتك سمية..؟
لم تمض لحظات حتى تعالت زغاريد الفرح، وتناقلت النسوة فيما بينهن:
ـ سمية حظها فوق النخل..!!
ـ هذا النصيب عيني، مثل حظنا العاثر..!!
ـ موظف في دائرة الاتصالات ولديه بيت ملك..!!
وبقيت النسوة يتناقلن الكلام ولم يخلو حديثهن من ذكر سمية ونصيبها الذي لم تكن تحلم به بحسب قولهن حتى بعد مضي أكثر من سنة على زواجها.. وذات يوم عادت سمية وقد احمرت وجنتاها من البكاء وهي تحمل بين يديها طفلاً وآخر يتحرك بين أحشاءها، واتجهت صوب تلك الغرفة التي خرجت من ببذلة عرسها.. وما ان دخلتها حتى ارتمت بين يدي أمها باكية.. تجمعت حولهما النسوة، واستمعن لكلماتها وهي تلفظها مختنقة بعبرات البكاء: ـ مجبل يقضي ليله في لعب القمار وشرب الخمر وقد باع البيت.. ويقول أنه سيستأجر بيتاً هنا لأكون قريبة منكم.. ولا أعرف هل حقاً سيكون بيتاً..؟ أم غرفة كهذه التي عشت فيها معكم..!!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة