من أهم ما تضطلع به الدولة الحديثة من واجبات هو واجبها في توفير الأمن لمواطنيها، فقد جاء في المادة (15) من الدستور العراقي لسنة 2005 (لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقا للقانون..).
لا بل قد يرتبط توفير الدولة للأمن الاجتماعي بمفهوم أوسع وأكثر أهمية وهو مفهوم السيادة الوطنية على أراضيها فالدولة التي لا توفر الأمن لرعاياها تكون سيادتها محل نظر.
والمخاطر التي تهدد هذا الأمن كثيرة منها ما يكون داخليا ومنها ما يكون خارجيا، فالتهديدات الخارجية واضحة وليست هناك أي إشكالية تثار في التصدي لها لان مصدرها دائما يكون من خارج الحدود، ولكن الإشكالية يمكن أن تنشأ بالنسبة للتهديدات الداخلية وكيفية معالجتها لأنها تمثل في الغالب منها سلوكيات لأبناء المجتمع الذي تريد الدولة حمايته.
وفي العراق كبلد عربي توجد قبائل وعشائر عربية كريمة اسهمت وبشكل كبير من خلال أبنائها في رسم تاريخ الدولة العراقية الحديثة وبنائها، إلا ان هناك بعض السلوكيات التي تصدر من بعض افراد هذه العشائر يترتب عليها تهديد الأمن والسلم المجتمعي ومن هذه السلوكيات ما تعرف باللهجة العامية (الدكة العشائرية) وهذه الممارسة العشائرية كانت الى وقت قريب قليلة الحدوث وتقتصر على المناطق الريفية والقرى، إلا انها ولأسباب كثيرة منها سياسية ومنها اجتماعية وغيرها بدأت بالانتقال من البيئة الريفية إلى المدن وبشكل متصاعد ومتسارع بحيث تحولت من ممارسات فردية عابرة الى ظاهرة تهدد امن الافراد وامن الدولة بشكل عام، حيث ان حدوثها أصبح بشكل شبه يومي في بعض المناطق.
وتترتب على هذه الممارسات الخطيرة جملة من النتائج أبرزها بث حالة من الخوف والهلع في قلوب الابرياء قد تصل الى مرحلة ارهاب الناس الآمنين، او حدوث جرائم قتل، او استغلالها لغرض الحصول على فصول عشائرية من دون وجه حق او حل النزاعات من دون اللجوء للجهات القضائية صاحبة الاختصاص الأصيل في حل النزاعات بين الأفراد وبالتالي تغييب دور القضاء في فض هذه النزاعات والمساس بهيبة الدولة في المحصلة النهائية، مما يفرض على الدولة بمؤسساتها كافة التصدي لهذه الظاهرة بالمعالجات الفعالة والتي تتناسب مع حجم التهديد الذي تحمله هذه السلوكية الخطيرة.
وفي ميدان القضاء يتم التعامل مع هذه التصرفات بوصفها جريمة تهديد على وفق المادة (432 ق ع) واذا ترتبت عليها إصابات فيتم تكييف الفعل على وفق المادة (405/31 ق ع) وما يعنينا هنا هي الحالة التي يتم فيها تكييف الفعل كجريمة تهديد على وفق المادة (432 ق ع) وهي الحالة الأغلب.
وفي رأينا ان يتم معالجة الموضوع تشريعيا عبر إصدار قانون يتم فيه تشديد العقوبات على مرتكبيها وجعلها جرائم من نوع الجنايات سواء ترتبت عليها إصابات او لم تترتب وعدم الاكتفاء بجعلها جريمة تهديد من نوع الجنح يمكن قبول الصلح فيها لمنع التمادي المستمر في هذا السلوك.
القاضي عبد المطلب حمدان
السلوكيات العشائرية وأمن المجتمع
التعليقات مغلقة