(الحلقة الاخيرة)
د. قيس العزاوي:
شكراً جزيلاً أستاذة أماني وهي صوت نسائي مهم وخاصة وهي تتحدث عن اختفاء البطل في الرواية وهي بالاحرى ظاهرة اختفاءالبطل في حياتنا الفكرية والسياسية واحتجاب الافكار الكبرى.. وقد الحقت الدكتورة اماني فكرة محورية اخرى وهي فكرة التراجع النسوية، ونحن لدينا في العراق المنقبات والمحجبات وهن لا يتركن صورهن في الدعاية ولكن يضعن صورة الزوج ويقال في الدعاية الإنتخابية «إنتخبوا زوجة فلان» وهذه حالة يرثى لها، وبخاصة في العراق الذي كان أول دولة في العالم العربي تتولى فيه الوزارة إمرأة عام 1959 عندما تولت الدكتورة نزيهة الديلمي وزارة البلديات.. الآن حققت المرأة العراقية مكسباً تشريعياً بعد ان حصلت على حصة في البرلمان بنسبة لا تقل عن 25% دخلت النساء الى البرلمان ولكن نساء لكن أي نساء؟ نساء أغلبهم لا يؤمن اغلبهن بحقوقهن الدستورية ولا بمساواتهم مع الرجال .
الأستاذ محمد الخولي:
أريد قبل حديثي أن أشير إلى السيدات المنقبات من خلال الصورة التي نشرت أمس بجريدة الوطن: ثلاث نساء على المنصة حتى لا تظهر أعينهن ومكتوب أعلى الصورة شعار «طموح ووضوح» وهذه مهزلة.
سوف أتوقف قليلاً عند حديث الصديق العزيز الأستاذ سمير مرقص والموسيقار نصير شمة. نحن الآن نتعامل مع الثقافة بمنطق إستعلائي هو منطق طبقي.. لماذا؟ نحن أناس محترمون مستريحون من سكان المدن نعيش كويس إلى حد ما.. نتكلم عن الثقافة والدكتور عبد الله العروي وقبل ذلك طه حسين.. إلخ هذه ليست ثقافة طبقة ولكنها عينة طبقة مثقفة. الثقافة لابد أن تشيع في المجتمع حتى يصبح مجتمعاً مثقفاً أو يأخذ بأسباب الثقافة وأنتم تعرفون التعريف الأصلي للثقافة سواء في اللغة العربية «ثقف الرمح» بمعنى شذبه وصقله أو التعريف الأجنبي اللاتينى “Cultural” وهو النماء والنمو والتطور. ولذلك سوف أتكلم ليس فقط عن حديث المثقفين ولكن حتى اللغة التي نستعملها هي لغة أيضاً إلى حد ما لغة نخبوية وهو ليس بخطأ لكن لابد من شيئين في هذا الزمن الذي نعيشه إذا كنا لابد وأن نتحدث عن المستقبل ونتطلع إلى شيء وهو حاجتين: دور الدولة وأيضاً المأسسة. لا يمكن أن تترك الثقافة نهباً لإجتهادات الأفراد مهما كان قدرهم وسوف أتحدث عن تجربتنا المصرية.
إن المرحلة الثقافية التي شهدها القرن العشرون خصوصاً ما بعد الشيخ محمد عبده ثم العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات كلها إجتهادات فردية لم تكن معبرة عن تيار ولم تخلق تياراً وبالتالي عندما خبت الإجتهادات الفردية إنتهت بانتهاء الاجتهاد نفسه.
سنة 1925 الاستاذ الشيخ علي عبد الرازق أصدر كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، سنة 1926 أصدر طه حسين كتاب «الشعر الجاهلي»، سنة 1928 الدكتور أحمد فريد رفاعي أصدر كتاب «عصر المأمون»، أما في عام 1929 أصدر أحمد أمين «فجر الإسلام».. هذه كلها أشياء عظيمة ولكنها لم تؤثر في تغيير المجتمع العربي في مصر إنما كانت إجتهادات محدودة بمحدودية قرّائها والاهتمام بها وهو كلام عظيم وليس خطأ.. لكن عندما جاء شخص إسمه «ثروت عكاشة» هنا تحولت الثقافة لتصبح جزءءا من وجوه مؤسسيه فأنشا ثروت عكاشة والذين معه مؤسسة ثقافة، وهنا اتسع تعريف الثقافة، وكلنا يعرف معنى الثقافة والتعريف المشهور لدى أحد مفكري الغرب: أنها تؤثر في الناس (في الفرد الاعتيادي). ربما يكون ثروت عكاشة أو عبد الناصر غير مدركين هذا التعريف لكن بحكم المسئولية لعبد الناصر والإلتزام الاجتماعي أعطى لثروت عكاشة إتساع الأفق ليفعل ما يراه.. لذلك حتى أنه تم تغيير إسم الوزارة المسئولة عن الثقافة والتي كانت أيام فتحي رضوان في بداية الثورة سنة 1955 و1956 كانت تسمى «وزارة الإرشاد» وأطلق عليها ثروت عكاشة وعبد الناصر «وزارة الثقافة» وهي أول وزارة ثقافة في العالم العربي.
المهم لم تكن المسألة كلاما في الدين ولا في التاريخ ولا في السياسة ولا في الفكر الفلسفي إنما استوعبت المعنى الحقيقي للتنوع في النشاط الثقافي.. ومن ثم كنت تقرأ مجلة الطليعة وهي مجلة لا تصدر فقط لتحجيم الفكر. وبالنسبة لحكاية عبد الناصر وسان بيتر- كما أشار الدكتور حسن حنفي- لقد قال سان بيتر من آمن بي فليحمل سيفه على كاهله ويتبعني. ولكن أنشأ عبد الناصر المعهد الاشتراكي. وموضوع الطليعة عندما صدرت كان بجانبها السياسة الدولية والقوى اللبرالية وإلى جانب ذلك الكاتب والقوى الطليعية وهو بداية التنوع الحقيقي للثقافة: في لحظة معينة استوعبت الغناء.. استوعبت الفن.. استوعبت الموسيقى.. ليس فقط الثقافة وبالتالي كنت تجد أبوبكر خيرت وحسين فوزي يشتغلون سيمفونيات ثم تجد عبد الحليم نويرة وزملاءه يشتغلون تراثا.. ثم تجد الفن الشعبي يمثله زكريا الحجاوي بيلف مصر كلها يبحث عن دور الإبداع الشعبي والإنشاد.. كل هذا جعل الفكر الثقافي في هذه التجربة مؤسسة متنوعة وفي نفس الوقت مسؤولية الدولة..
أما بالنسبة لحديث الدكتور مصطفى الفقي رغم أننا نتعلم منه أستسمحه عذراً أقول له عبد الناصر كان مثقفاً بالمعنى العام مثلنا بدليل أنه عندما كان يجلس مع أي ضيف مثل جان بول سارتر.. شوين لاي.. نهرو.. سيكوتوري.. وكلهم من غلاة المثقفين إضافة إلى صفقاته العسكرية التي كان يعقدها.. آخر حاجة حكاها الدكتور إسماعيل صبري عبد الله والذي ترجم كتاب التخطيط والتنمية لشارل بتلهيم: إلتقى به عبد الناصر وقال له على فكرة يا دكتور إسماعيل أنا قرأت الكتاب- التخطيط والتنمية- فتعجب واندهش الدكتور إسماعيل فبادره عبد الناصر لكن الترجمة سيئة. وكان على دار المعارف أن تعيد ترجمة الكتاب مرة أخرى لأن تأكدوا أن عبد الناصر قرأه بالإنجليزية والعربية.
د. مصطفى الفقي:
أنا سعيد بهذه الأمسية الجميلة التي حضرها العديد من المفكرين والمفكرات وهذا يشرفني وقد أسعدني حضوركم لتكريم هذه الشخصية النبيلة والعزيزة لدينا الدكتور قيس العزاوي.