(الحلقة السابعة)
د. قيس العزاوي:
إن علاقة المثقف بالسياسة وبالحاكم خاصة أصبحت قضية كبيرة وهامة ومركزية.. وقد شغلت قضية المثقف والسلطة اوساطا عديدة منذ القدم وحتى الان، وما زالت الكتابات تتوالى في هذا الشأن لكونها قضية جوهرية في الفضائين السياسي والثقافي العربي وذات محاور عديدة.
الأستاذ ثروت الخرباوي:
بداية الحديث كان للدكتور صلاح فضل عن الحوار وأهمية الحوار ثم تطرقنا للعقل العربي.. في الحقيقة أن هذين الجزءين من أهم الأشياء ويجب أن ينظر إليهما باهتمام شديد لأنه بالنسبة للحوار كلنا نتحدث عن أن الخلاف في الحوار لا يفسد للود قضية.
في الواقع أنه يفسد للود ألف قضية، عندما أنظر للنصوص الدينية مثلاً نجد أن النص الديني يختلف في القرآن مثلاً أنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين هذا حوار في القرآن بين الرسول عليه الصلاة والسلام (المسلم) ورجل آخر كافر قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون برغم السياق يأتي بشكل مختلف لكن أهميته حتى وأنا أتحاور مع أحد وأقول وكأن الحقيقة على لسانه وكأنني الذي أجرم وكأنك أنت الذي تقول الحقيقة.
المفروض الحوار وقراءة في العقل العربي وبمناسبة أننا تحدثنا عن المغرب وأهمية الفلاسفة المغاربة هناك محمد عابد الجابري، له دراسة مهمة جداً عن نقد العقل العربي الذي هو عقل ناقل وليس عقل ناقد عقل حافظ.. فنقول الحافظ بن جابر والحافظ بن كثير والحافظ بن وكأن الرجل قدم ووضع في مكانة كبيرة لأنه حافظ.
العقل النقدي الذي تحدث عنه أستاذنا الكبير حسن حنفي مهم جداً نعرف فيه أن هناك جماعات استخدمت الإسلام سياسياً وأنشأت مشروعها الخاص الذي سمي بالإسلام السياسي الذي أحدث مفارقة بين الإسلام الناعم الذي تحدث عنه الدكتور صلاح فضل أو الإسلام الحقيقي وما بين الإسلام المتوحش.. هناك أكثر من قراءة للإسلام.. وهناك يجب أن نفرق ما بين قراءة الإنسان أو قراءة الجماعة أو المجموعة للإسلام والإسلام نفسه. ولهذا يجب أن لا نضيف الإنسان للإسلام.. لا ينبغي أن يقول الدكتور قيس على الدكتور حسن أنه مفكر إسلامي لا ليس هو مفكر إسلامي. الإسلام ليس له علاقة بتفكيره إنما هو مثلاً مفكر مسلم.. أو مفكر حر لا ينبغي أن نقول الحضارة الإسلامية لأن الحضارة الحقيقة كوّنها مسلمون وغير مسلمين يعني لا يكون إسمها حضارة إسلامية وليس الإسم فرق إسلامية حتى أصحاب المذاهب أبو حنيفة ومالك وغيرهم كل منهم كان يسمى المذهب باسمه ولا نقول مذهب أبو حنيفة الإسلامي.. كلمة الإسلامي استجدت في العصور الحديثة.
من نقد العقل العربي أنه ناقل دون أن يمحص ويبحث، يقال أن سيد قطب عُذب. هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق لم يحدث أن عُذب سيد قطب.. اما ان كتاب «معالم في الطريق» كتبه تحت وطأة التعذيب وهو في السجن فهو كلام عار من الصحة أطلقه الإخوان.. أطلقوا شائعات حتى يعملوا حالة من الحالات حول سيد قطب. عندما جاء من أميركا كما قال الدكتور مصطفى الفقي كتب أفكاراً وشعراً وبدأ يتغير بعد دراسته في أميركا ويريد أن يغير في مناهج التربية والتعليم ثم تعرف على مجموعة من القيادات الإخوانية وكان حسن البنا قد مات وبدأ يكتب مقالة أسبوعية في مجلة تسمى «المسلمون» وكانت هذه المقالة تحت عنوان «في ظلال القرآن» أتم في المجلة قبل حبسه في السجن في الفترة الأولى مع الإخوان في عهد عبد الناصر أتم 14 جزءا من القرآن ولما أنحبس أراد عبد الناصر من السيد قطب أن يتم كتابه، وكان يرسل إليه الشيخ محمد الغزالي – وكان وقتها رئيساً للبحوث في وزارة الأوقاف- بالكتب والمراجع والأوراق حتى يكتب ويكمل تفسير القرآن.. وقتها كان يقيم إقامة كاملة في مستشفى القصر العيني «بمعنى لم يضرب» كان معززا مكرما في مستشفى السجن ويحكي علماء التاريخ السابقون عن مقابلات حسن الهضيبي وبين السيد قطب في مستشفى السجن في هذا الوقت كتب مقدمة سورة الأنفال والتي جعلها بعد ذلك كتاب «معالم في الطريق» بعد أن قام بتنقيحها..
الإخوان زادوا أن السيد قطب وهو يُعدم طُلِب منه أن يكتب خطاب اعتذار لعبد الناصر حتى يعفو عنه. فقال: أصبعي الذي أشهد به في الصلاة لا يمكن أبداً أن يكتب خطاب اعتذار لعبد الناصر. هذا كلام كذب على الإطلاق.. ومن الذي تحدث بالحقيقة وكان حوار ما بين مأمور السجن وما بين السيد قطب وعندما بحثت عن هذا الموضوع تاريخياً وجدت أن الإخوان حتى يبرروا المقولة الكاذبة هذه قالوا أن هناك أحد السجانين موجود وحضر هذه الواقعة إلا إنه رفض أن يذكر إسمه بعد أن حكى هذه الواقعة خوفاً من الأمن، وهي أمور غير صحيحة على الإطلاق وخاصة أنهم كان من المفروض أن يذكروا إسمه بعد مرور كل هذه السنوات على الواقعة ولم يعد للخوف محل.
الذي ينادي بنقد العقل العربي ويقول أنه عقل ناقل وليس ناقد يجب أن يتحرى التاريخ الصحيح وهو يتحدث عن وقائع زورها الإخوان وقاموا بنشرها بين الناس.
د. أماني فؤاد:
أشكر الدكتور مصطفى الفقي على هذه الدعوة. في الحقيقة عندي مداخلة بسيطة لعلها تخدم هذا الحوار الذي دار بين أساتذة كبار لي شرف الوجود بينهم. منذ فترة بدأت أكتب عن مفهوم البطل في الرواية العربية واستمريت أكّون في ذهني فكرة عن شكل البطل في الرواية كيف ينظر إليه؟ لاحظت أنه لم يعد هناك بطل.. وأن مفهوم الفرد نفسه تفتت وأشار الدكتور خالد زيادة في مداخلته أن انهيار الحكايات الكبرى في العالم هي انهيار الحريات ولذا أصبح مفهوم البطل أو مفهوم الفرد الحر وقيمته تفتت. ورأيت أن الأنسب عمل عنوان البحث «ألا بطل» وأخذت أفكر لماذا لم يعد للبطل وجود؟ وصلت إلى أن المثقف العربي له ثقل ودور كبير جداً في ضياع هذا المفهوم على مستويات كثيرة.. علاقة المثقف بالسلطة.. علاقة المثقف بالقاعدة العريضة من الشعب.. القاعدة الهرمية.. العلاقة على مستوى السلطة وعلى مستوى القاعدة العريضة من الشعب أصبح فيها فرق ومسافة كبيرة بين المثقف وبين الطرفين.. الطرف الأول يزدري المثقف ويتجنبه وينتقده والطرف الثاني هناك جسور شاسعة المسافة بين المثقف والشعب.. إذن المثقف أصبح كائنا ليس له قاعدة وليس له تأثير وأسفة جداً لا أقصد لوم أو توجيه لوم لاحد.. لكن معظم المثقفين العرب لديهم سمة الإستحواذ على كل المشهد هو فقط يريد أن يظهر. العصر والسياق نفسه صنع هذا.
لكن مثل ما أشار الفنان الكبير نصير شمة أنه لا يوجد وحدة مثقفين.. لا يوجد وحدة روح الجماعة.. لا يوجد مثقف كبير له تيار أو مريدون من الطلبة والتلاميذ الذين يحملون فكره ولا مانع أن ينتقدوا هذا الفكر.
إذن المثقف عليه عبء أنه ضيع قيمته كمثقف وضيع قيمة الفرد، والمفروض أن يتمتع بحريات معينة مع وجود إنهيار فعلي للقيم الكبرى والأيديولوجيات في العالم. هذا كله أضاع قيمة الفرد الفاعلة.. وهذا ما رأيته إضافة إلى أنني رأيت أيضاً أن هناك ردة نسائية في العالم ومنها مصر، مشهد صغير يحكي لنا كم هي هذه الردة النسائية في مصر.. مؤتمر لحزب النور مثلاً وغيره من الأحزاب نرى مجموعة من المنقبات تقف لتقوم بعمل دعاية لنفسها بالحزب. والسؤال كيف تكونين مرشحة وأنت خلف هذه الخيمة السوداء؟ صوتك عورة.. وجهك عورة.. وكل ما يحيط بك عورة.. حتى إسمها عورة فتقول أم أحمد وأم سامية.. وهذا يدل أن هناك ردة نسائية وقد شارك فيها – أقول بأسف- المثقف العربي لأنه عندما يكون هناك خطاب ديني بشكل معين لا يقف المثقف العربي فى وجه هذا الخطاب الديني.. ولا يتحمل موقف من يقول لأ .. ولا أنسى أن أؤكد أن الردة النسائية قد اجتاحت العالم من حيث كفاح المرأة لنيل حقوقها على المستويات المختلفة.. أيضاً لا ألوم المثقفين لكن الأستاذ السيد يسين قال أن المثقف غير متابع جيد لكل ما يستحدث في العالم.
كأن المثقف العربي بعد فترة من عمره يصيبه نوع من التجمد لأنه غير صانع للتلاميذ.. غير متابع للأحداث الخارجية فقد اكتفى بكل الكيان الذي بناه وتوقف عند هذا التاريخ.
هناك ثقافة إسمها ثقافة الصورة وهى تسود المجتمعات غير القارئة والملاحظ أن ثقافة القبح والتشوه والعشوائية بدأت تسود في المجتمع في شكل المكان: شكل الجغرافيا والمدن والشوارع والنساء والبيوت.. شكل كل شئ حولنا وهذا يرجع إلى الخطاب اليساري والخطاب الديني يشمل نوعا من عدم الثقافة لهذه الأفكار.
المهم أن المثقف له دور كبير جداً لكن الأهم أن نجد الجسور التي نصل بها إلى الجمهور وطبعاً لن تكون هذه الجسور فوقية أو بأمر يعني السلطة تعطي المثقف دورا أو توجيها للقيام بهذه المهمة، البحث هنا المفروض أنه يقع على المثقف نفسه: كيف يجد الدور الذي يصل به إلى أكبر قاعدة من الشعوب العربية؟