في الموقف من 9/4/2003

في مثل هذه الأيام قبل خمسة عشر عاماً ظهر شبح دبابة أميركية على أحد جسور بغداد، مشهد فاجأ ذلك المخلوق الخرافي (الصحّاف) الذي تنبأ بعاقبة (انتحار المغول عند أسوار بغداد) ليسارع بالانضمام الى قوافل رفاقه التي سبقته الى الجحور والأنفاق، تلك المشاهد التي تداركتها إحدى اللافتات المعبّرة عن تلك اللحظات (الله يخلي بوش اللي خله الرفاق تنام ويه الهوش). لم يمر وقت طويل على تلقّف شحاطات أطفال بغداد لرأس تمثال الطاغية في ساحة الفردوس؛ حتى تبخرت كل مظاهر ما كان يعرف بـ “جمهورية الخوف”. بعد مرور 15 عاماً على ذلك الحدث التدشيني في تاريخ العراق الحديث، عندما استأصل المشرط الخارجي أبشع ورم سياسي وقيمي، فتك بكل ماهو جميل وسليم لدى العراقيين؛ ما الذي يمكن رصده من أحداث ومعطيات واقعية وما رافقها من طفح القوى والعقائد والمصالح التي تلقفت مقاليد أمور ما بعد تلك اللحظة التاريخية؟
كما أشرنا “الرفاق” اختفوا خلف سيل لا مثيل له من واجهات “الرسائل الخالدة” التزاماً بتقنيات “الانحناء أمام العاصفة” وبالرغم من هول ما تم اكتشافه من الفظائع التي ارتكبوها طوال أربعة عقود من هيمنتهم المطلقة على تفصيلات حياة سكان أقدم الأوطان البشرية، لم تنجح كل الحفريات في العثور على أثر “رفيق” منهم تمكن من استرداد شيئاً من آدميته المهدورة ليعتذر عما شارك به من سياسات وأعمال دونية وإجرامية. ولم يمر وقت طويل على تلقف أفشل وأفسد معارضة سياسية عرفها تاريخ العراق الحديث، لمقاليد أمور وأسلاب النظام المباد، حتى استردت جموع “الفلول” وحشود المعطوبين والممسوخين زمام المبادرة، لتتحول تلك اللحظة التدشينية في تاريخنا (سقوط أبشع نظام توليتاري) من فرصة لاسترداد العراق لمكانته ودوره الوطني والحضاري؛ الى ذريعة لاستقدام قوافل جديدة من الكوارث والكوابيس، توجت بسقوط ثلث الأراضي العراقية تحت احتلال أكثر العصابات الدينية دونية وإجراماً (داعش). بعد استنزاف لا مثيل له للقوى البشرية والمادية وبعد أكثر من ثلاثة أعوام مؤلمة ومريرة، استردت تلك المناطق والمدن، لكن مناخات وشروط مثل تلك الدوائر القاتلة ما زالت باقية ومتربصة للفرص المناسبة.
لم يتبق سوى أسابيع قليلة على موعد إجراء الدورة الرابعة لانتخاب مجلس نوّاب جديد، والمعطيات جميعها تشير وبما لا يقبل الشك، على محدودية ما يمكن تحقيقه من نتائج واقعية تنتصر لعراق ديمقراطي واتحادي، وهي مهمة برهنت كل المعطيات (قبل 9/4/2003 وبعده) على أن الأطراف المهيمنة على قواعد اللعبة الحالية (فلول النظام المباد ومعارضيه السابقين) ليسوا عاجزين عن تحقيق ذلك وحسب، وهم لن يبخلوا بكل ما يمكن من وسائل ومكر ودهاء لإعاقة مثل ذلك المشروع المتنافر والمقاصد النهائية لرسائلهم الخالدة..!
إن لحظة زوال النظام المباد (9/4/2003) قد جاءت عبر المشرط الخارجي، وهي نتيجة طبيعية لعلاج ما وصل اليه وطن سلّم أمره لذلك المخلوق الذي انتشل مذعوراً من جحره الأخير، ومثل هذا حدث مع غير القليل من البلدان، لكنها استردت زمام المبادرة وحولت محنتها الى جسر للعبور الى الاستقرار والازدهار. وهذا ما لم يحصل معنا حتى هذه اللحظة ولأسباب محلية محظة لا علاقة لها بعبث الشياطين من شتى الأحجام والأشكال، بل في هذا الطفح الهائـل من المعطوبين والمذعورين الذيـن ألقتهـم الصـدفة السيئـة علـى سنـام مسؤوليـات ما بعـد “التغييـر”.
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة