مهارات الحوار المفقودة

اخترع الإغريق الحوار لكنهم أدخلوا فكرة أن الأفراد ليسوا أذكياء من تلقاء أنفسهم، وأنهم فقط عن طريق المنطق يستطيعون الكشف عن الحقيقة، فإذا حصل أن شخصين أو أكثر من الناس غير متأكدين من حقيقة ما بمقدورهم التحقق منها تدريجياً من خلال تحليل الأفكار والآراء والافتراضات والتناقضات، أي ببصيرة وفهم أعمق، لا عن طريق تبادل الهجوم الشخصي أو الإهانات.
وهكذا تمكنت شعوب كثيرة كانت في السابق على خلاف مع بعضها البعض من التوافق على الأهداف والاستراتيجيات، والحصول على رؤى جديدة، ومستويات جديدة من الإبداع المحفز على تعزيز الأواصر.
ما يحصل لدينا للأسف أننا غالباً ما نخلط الحوار مع غيره من أشكال الخطاب، ونتعمق في الانقسام إلى فئات مميزة وليس كمجموعة مطلوب منها التوافق وتعليق الأحكام الجاهزة، والاستماع لجميع وجهات النظر.
الحوار أفضل أسلوب من أساليب الاتصال وكشكل من أشكال التفكير الذي يمكن أن يحدث تحولا في العلاقات الإنسانية، وهو أفضل جواب على السؤال الحاضر الآن بقوة: “ماذا علينا أن نفعل؟” لإنهاء حالة الانقسام بل التفتت إلى عدد لا يحصى من الثقافات الفرعية على أساس الدين أو العرق أو الولاء السياسي وغيره، واستكشاف السبل الموصلة للعمل المشترك، والحفاظ على هياكل المجتمع التقليدية الآخذة في التصدع.
لكن الحوار لن يكون سهلاً دائماُ أو واضحاً دائماً، ويمكن أن تفشل ألف طريقة لتحقيقه، ولكي ينجح الحوار ويغدو فعالا يتطلب أن يكون جميع المشاركين على قدم المساواة، وأن يتم الاستماع لجميع الأطراف مع كامل الاحترام والتعاطف، وأن تبحث القضايا العالقة بصراحة، ومن دون وجود حكم.
المشكلة، أننا نتكلم بمفاهيم مختلفة، وتحكمنا عقد تاريخية مختلفة تجسد طرقا مختلفة حيال بعضنا البعض، لذلك لا نعرف كيفية التحدث في ما بيننا. ففي حين ينفق معظمنا جزءاً كبيراً من وقته للتواصل مع الآخرين، نبدو أكثر انفصالاً وانقطاعاً.
والمشكلة الكبرى، أن محور حديثنا المتبادل هو الدين وليس المواطنة، فيتحول الحديث في كثير من الأحيان إلى ثرثرة صاخبة لأننا لا نعرف كيف نشارك فيه بطريقة صحيحة.
أقولها ببساطة أننـا لـم نتعلم مهارات الاستماع والانخـراط في حوارات ذات مغزى بسبب افتقارنـا إلى الدرايـة والأدوات التي تجعلنـا قادريـن على التغلـب على الخلافـات، والعثـور على أرضية مشتركة، وخلق المعنى والهدف، وتحديد الاتجاهات معاً كمواطنين وليس مجرد أتبـاع أديـان أو مذاهب.
فريال حسين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة