علي جازو
ضوء غرفة مغلقة
دخل فتى صامتٌ غرفة مغلقة، ممتلئة بضوء النهار. لم يكن للغرفة باب، أو أنه كان مختفيًا. لم يجد سوى نافذة كالحليب تعلو كرسيًا، وطاولة سوداء لامعة قربها وُضعت مرآة كبيرة. كانت أرضية الغرفة عريضة زرقاء نقية كلون مساء صيفي، وعندما نظر من خلال زجاج النافذة رأى غصن شجيرة مورقة.
أحب الفتى الزجاج الذي عبره رأى لون الأوراق الصغيرة، وانعكاس الضوء الأخضر. كان الفتى يحلم، وعندما سار برفقة صديقه إلى المدرسة، صباح اليوم التالي، حدثه عن جمال ضوء ينعكس على شجيرة عندما تنظر إليها من زجاج نافذة داخل غرفة مغلقة، حدثه طويلًا عن عذوبة ملمس طاولة من خشب، ذات لون أسود. وكان صديق الفتى يصغي بانتباه غارقًا في تخيل حلم زميله.
في طريق العودة، بدأ الجوع يؤلم بطن الفتى صاحب الغرفة المغلقة، وتذكر أن ضوء الأحلام غريبٌ، وأنها بلا ظلال، وأن الغرفة تكاد تكون مثل لوحة، وأن ما جعله سعيدًا حينها النظافة التي غمرت وجه المرآة الناعم الفارغ كبداية الصباح، وكذلك وجود صفحة صفراء مفتوحة على الطاولة، التي لم يكن عليها أي أثر آخر، كأنما هو الوحيد الذي دخل الغرفة، ولن يحل محله أحد.
فتاة البحيرة
جلست فتاة واهنة على حجر برتقالي قرب بحيرة. كان الحجر صغيرًا مثل أمنية طفل في هدية عيد. وكانت الفتاة حزينة، لأن والدتها رحلت عن الدنيا منذ أسبوع، وهي لم تقو بعد على نسيان المرارة التي يخلفها وفاة شخص قريب. أخذت تنظر في يديها، وكان الليل قد أوشك أن يحل، فقامت وأسرعت إلى البيت. وأمام العتبة ظلت واقفة لبرهة. مر هواء خفيف حول أذن الفتاة، وتساقطت من ارتفاع خفيض ورقة عن غصن شجرة ليمون قريبة، وكان رأسها محنيًا لدرجة يصعب معها رؤية وجهها. لم ترغب الفتاة في رؤية البيت من الداخل، كانت في توق شديد إلى لمسة من شخص يحبها، وهي كانت تحس بذات الوقت بذلك الدفء الذي تتركه لمسات أمها على شعرها. فجأة سمعت صوت أمها، سمعته من أعماق قلبها، كأنما الحزن والتوق قد أعادا الحياة إلى والدتها. بدا للفتاة أن الموت أمر غير حقيقي، ثم رفعت رأسها، وأمسكت مقبض الباب بحيوية، لتلج البيت سعيدة مثلما تفعل كل مرة. إن صوت أمها، الذي جاءها من بعيد، لم يكن صوت ميت أبدًا. كان وقعه مريحًا، فقد شعرت الفتاة بالطمأنينة تغمرها، ومنذ تلك البرهة القصيرة، حافظت على أثر الصوت، حدّ أنها لم تخبر أحدًا، إذ كانت تظن أن الناس لن يصدقوها، إذا حاولت إقناعهم أن الموت أمر غير حقيقي كما يرى معظم البشر حال الحياة إزاء الموت.