اسماعيل ابراهيم عبد
ما أن يُتِمَّ نظام السرد إتصال فاعله بحوامله حتى تتولد صور مؤدية الى الوقائع , خاصة تلك التي تُرسم بعناية .. أو « بمخيلة إقناع ومدلولات وجودية « (1) ..
وهذا برأينا هو العامل الأول لنظام السرد في رواية , حلم وردي فاتح اللون , للروائية ميسلون هادي. ما سيتوافق ويتساوق بين الواقع العملي والواقع « الروائي « الإفتراضي هو العامل الثاني لنظام السرد .
أسوق هذين العاملين لأنفذ منهما الى محمولات « الروائية « الشيئية للموجودات الناقصة والأفعال الحدثية المُرَكِزة لشعاع الفهم الـتأويلي الخاص بالاحلام الانثوية لجميع الكائنات التي جعلتها المرأة جليلة بجلالها ..
عند الجمع بين المحمولات (الصفات) والمدلولات (المعاني) والأفعال (الحركة) سنلتقط أول آصرة شيئية في الرواية , تلك هي الأشياء الفقيرة والأشياء المهملة الجليلة , الأشياء الصانعة لمعظم وقائع الرواية .. ان الأشياء تتحرك بنواقل وفواعل , ويحملها على ذلك فواعل حقيقية ومتصورة . وإذ نتابع المشهد الآتي فسنرى الكيفية التي يتوافق بها الفواعل مع المحمولات للتوصل الى ديناميكية ومتعة السرد « الروائية « .
[هذا الجرس هو نفسه الذي خمش القلوب المنتظرة بمخلبه القاسي , عندما كان يقرعه قادم وقت الغسق يتبعه خبر مفجع … أراقب عصفورة وحيدة تتأرجح برفق فوق سعفة كبيرة وهي تزقزق بصوت متقطع نسميه غناء …
ثمة مسمار معلق على جذع النخلة … الآن يحمل قطعة كبيرة من الخبز …
الحمائم البدينة تسير ببطء على الحشيش …
لن أغادر هذا الشباك حتى ينتهي اليوم الى مستقر أخير ..
لن أغادره حتى إن نعست أو عطشت .. في هذا المكان سأتناول غدائي وأشرب شايي وأراقب أخبار التلفزيون ](2).
لنحدد عشرة أشياء دون تمييز بين الأشياء المادية والأشياء الهلامية والأشياء المعنوية .. هذه الأشياء هي / (الجرس , العصفورة , السعفة , الغناء , المسمار , جذع النخلة , الخبز , الحمائم , الشاي , الفتاة الراوية ) ..
هنا , للأشياء خمس صفات : كلها أسماء , كلها فقيرة ـ عادية ـ , كلها شبه مهملة ثم أنها لا تقوم بأفعالٍ إلّا بحدود ضيقة .. , جميعها تنذر بحدوث فاجعة .. حتى الفتاة الراوية تنطبق عليها تلك المواصفات .
«هذه الأشياء تنذر , تعد , بفجيعة « كيف؟
ـ الجرس : هو أكثر الأشياء خِيفة , مبعث التوجس لدى العوائل جميعاً , خاصة من زوار الليل والفجر, وهو من أكثر الأدوات البيتية مواجهة للوجود من الخارج . كما أنه أول ما أُهمل عند تقلص استعمال الكهرباء …
جميع هذه التأويلات سترسم لنفسها طريقاً في الرواية .
ـ العصفورة : وجود العصافير موجِّب للإحساس بالفرح , لكنه كثيراً ما يرتبط بالبيوت الفارغة من أهلها ,المهجرين أو المتغربين أو المهاجرين ,او الذين ماتوا بطريقة الإبادة بالقصف !, لهذا التأويل أيضاً مساس مباشر بالأحداث الجارية في الرواية ..
السعفة : هي رمز الخير والسعة والعطاء بلا مقابل, لكن الأحداث الروائية تتجه الى وضعها في مكانة مثيولوجيا الدفن العراقية القديمة ,حيث كانت توابيت الموتى تصنع من سعف النخيل.
ـ الغناء : في الرواية هو زقزقة , ترمز للجمال الفطري وبذات الوقت, هو بكاء الفتاة على أيام طفولتها وحياتها الضائعة دونما قدر من الطمأنية والاستقرار والسعادة .
ـ المسمار : من استعمالاته , التثقيب والتثبيت والتعليق , لكنه في الرواية جيء ليعطي معنى تعليق الثوم والخبز البائت , الحالات الخاصة بفقراء العراق .
ـ جذع النخلة : يدل على التقليد الخاص بالتعليق والتجذير للمصائب .
ـ الخبز: يمثل في الرواية ,مظهرا للألم الشديد الناتج عن المعيشة الضنكة.
ـ الحمائم : جيء بها لتقرير حالتين , الشبع غير السوي , واللاعدالة في المستوى الاقتصادي . الشاي : جيء به لأجل توضيح جدب الحياة كونه السلوى والمتعة الوحيدة لدى النساء والرجال, وشربه الشحيح من مظاهر البطالة.
الفتاة الراوية : اسـمها فادية , ستُقدم حياتها , بكل طاقتها , لخدمة الآخـريـن دون نتيجة مهمة .
* تلك المؤولات تقول لنا الطريقة التي تضافرت عليها قوى السرد لصنع الفعائل القادمة , أي أن الأشياء برغم محدوديتها وفقرها وكونها مهملة لكنها مهدت للأحداث من خلال الوظائف الآتية : 1 ـ أنها أشياء مصاغة لأغراض مرسومة مقدماً .
2 ـ أنها موصلات ملائمة للانفتاح المتصل الرابط بين الأحداث المتوقعة للرواية .
3 ـ أن دربة الكاتبة في استثمار صغائر الموجودات سوغت للأشياء أن تكون فاعلة للتمهيد الحدثي. 4 ـ الفتاة التي هي الجزء الأهم المشمول بالإهمال , هي الراوية الأساسية , التي ستلعب بجميع العناصر لأجل خلق متعة السرد .
5 ـ فعائل السرد , بعمومها وخصوصها , تتقوم وتتبادل الفهم بوسيط أوحد هو الأسماء , التي هي الأشياء الحقيقية والمضللة الخالقة لجو واتجاه الروي .
لنعبر من فوق الأشياء هذه الى المشهد الآتي:
[الشارع الصامت الذي لم يكن مزدحماً كما هو الآن , كان هادئاً يغط بالقيلولة …رجل يجلس على كرسي متحرك … صحيفة قديمة كانت موجودة تحت جهاز الهاتف … عام مضى كنت بعيدة عن البيت..
أواخر نيسان تتقارب الكواكب الخمسة الكبرى , عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل , في مشهد قد لا يتكرر خلال قرن](3) .
الأشياء , هنا , لها دخول مباشر في تحريك الأفعال فعلى سيبل المثال , الشارع هو الذي يُنيم الناس, والكرسي هو من يحرّك الرجل , نيسان هو الذي يقارب الكواكب ..
البيت هو الذي يبعد الفتاة عنه بسبب الفراغ الذي كوّنه .. وهكذا .
النتيجة إذاً الأشياء العشرة بمواصفاتها الخمس ووظائفها الخمس , قد وسّمت «الروائية» بمضمونات ـ محمولات ـ تخص السرد , تغطي جمالية القول وبلاغية الوجود الشيئي للأحداث. ثانياً : إنوثة الباراسيكلوجيا لا تتميز الأنثى عن الرجل في قراءة الطالع او التنبوء بالمستقبل او الاتصال الروحي البعيد , لكن الموضوع يأخذ جدية أكثر عند النساء , ويتوزع على كم أكبر منهن .. ولو أنني في هذه المعلومة لم أستند إلا على الشائع , وأرى هذا ليس مهماً , لأني سأدخله مظلة الفحص الروائي , وبه أقرّ بمصوغة أخرى تبيح لي الإشارة الى جودة فنية من نوع خاص :
[عندما ذهبتُ الى دوامي في اليوم التالي , وكان الإثنين , كان عليَّ أن اتذكر ما حدث بوضوح وأنا أفكر هل ثمة علاقة لما حدث البارحة بالأيام التي يكون فيها القمر جديداً … مما قد يؤثر بالتالي في الجسم البشري؟
كنت أفكر ماذا حدث إذن ليلة أمس ليطرأ هذا التغير بشكل مفاجيء وحاد وخارج عن المألوف](4).
هذا النموذج باراسيكلوجيا غير مكتملة , ستكملها الروائية « المرأة « , الراوية , والمروي لها , , البطلة , الروائية , بستة مبادئ هي :
1 ـ الإنثوية :
[قالت ريم … ـ الرواية ص94]
2 ـ الفلكية :
[يحدث هذا بين 21/6 , 21/12 , وهذا التغير في نشاط التأيّن ينعكس إيجابياً على نشاط الجسم البشري . ـ الرواية ص94]
3 ـ الجمالية :
[أريد أن أخبرهم كيف يتساوق كل ما في الكون مع بعضه البعض ويتناغم بشكل جميل … ـ الرواية ص95]
4 ـ اللوجستية :
[ـ قلت لهم : قدّس الرومان زهرة اللوتس , وهي عند اليونان رمز النصر , وموطنها البحر المتوسط , وهي شجيرة دائمة الخضرة لها أوراق لامعة خضراء وأزهار بيضاء عطرة.
5 ـ الوحدة البيئية :
[سألني أحد الطلاب … قبل إنتهاء الدرس :
ـ كيف يتساوق كل ما في الكون ؟
قلتُ له وأنا أرسم خلية على السبورة
ـ ان الخلية عالم مصغر للكون . ص95 ]
هوامش:
2 هادي , ميسلون , رواية حلم وردي فاتح اللون , 2009 , ص7 , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , بيروت
3 هادي , ميسلون , رواية حلم وردي فاتح اللون , مصدر سابق , ص9
4 هادي , ميسلون , رواية حلم وردي بلون فاتح , مصدر سابق , ص94