إعمار العراق: الدور الأميركي – الخليجي

ألكساندرا زيتل, شيلي كولبرتسون, جيفري باتْ, و بلال وهاب*

استضافت الكويت مؤخراً «المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق» بالتنسيق مع الحكومة العراقية و»الاتحاد الأوروبي» والأمم المتحدة و»البنك الدولي». وسعت الحكومة العراقية إلى جمع ما يزيد على 80 مليار دولار من استثمارات القطاع الخاص لإعادة بناء المناطق التي دمرها تنظيم «الدولة الإسلامية» وإعادة توطين العراقيين المشردين، وهو أمر مهم للتمهيد لإجراء الانتخابات المرتقبة في أيار/مايو.
بيد، لم يتم التعهد إلا بمبلغ 30 مليار دولار، الأمر الذي يثير تساؤلات عما إذا كانت الضمانات الراهنة كافية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف ستدعم الولايات المتحدة عملية إعادة الإعمار على ضوء تردد إدارة ترامب في مسألة إعمار الدول؟ ومهما يكن الأمر، سيتعيّن على العراق التكيف بسرعة خلال هذا التحوّل من المساعدات الإنمائية المباشرة إلى التمويل الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر.

ألكساندرا زيتل
في اليوم الأول من المؤتمر أطلق العراق إطار عمل لفترة أمدها عشر سنوات لإعادة إعمار البلاد وإنمائها يتضمّن مجموعة من الإصلاحات الحكومية، والاستثمارات في القطاع الخاص، وتمويل دولي للمساعدة في إعادة بناء المجتمعات المحلية، وخلق فرص العمل، وتحديث الاقتصاد. وفي هذا السياق، تعهّدت أكثر من 25 دولة ومنظمة متعددة الأطراف بتقديم قروض ومنح ومشاريع استثمارية بقيمة 30 مليار دولار، علماً بأن مساهمات الدول المجاورة للعراق كانت مشجعة بنحو خاص، حيث عرضت الكويت مساعدات بقيمة 2 مليار دولار، وتركيا 5 مليارات دولار، والسعودية 1.5 مليار دولار، وقطر مليار دولار والإمارات 5.5 مليار دولار.
إلّا أنّ ضخامة الدمار الذي نجم عن سنوات الحرب الثلاث ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» تستدعي التزاماً طويل الأمد من قبل الولايات المتحدة لإعادة إعمار البلاد، وما تزال واشنطن متفقةً مع بغداد على هذا الموضوع، إذ كانت الولايات المتحدة المانح الأكبر للعراق حتى قبل انعقاد المؤتمر مع مساعدات اقتصادية وأمنية فاقت قيمتها الـ 6 مليارات دولار.
وفي الوقت نفسه، لم ترَ واشنطن قط أن المؤتمر يشكل حدثاً للتعهد بأموال هدفها تخطي سقف تبرعات معيّن. فالعراق لا يمكنه ان يفي باحتياجاته طويلة الأمد لإعادة إعمار البلاد من خلال المساعدات الإنسانية والمنح النقدية والمساعدات المالية الدولية وحدها – بل عليه إصلاح اقتصاده وتنميته من خلال الاستثمار الخاص ليضع بذلك حجر الأساس لخلق فرص العمل والتعافي المستدام.
ومن هذا المنطلق، تعاونت وزارة الخارجية الاميركية وغرفة التجارة الاميركية في تنظيم وفد كبير من الشركات الاميركية للمشاركة في المؤتمر. وعملت هذه الشركات وغيرها على تقييم أهلية نحو 200 مشروع طَرَحتها الحكومة العراقية حول استثمارات ذات أولوية عالية، من بينها عدة مشاريع في «إقليم كردستان». وقد شارك وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون في المؤتمر أيضاً، حيث أعلن أن واشنطن ستدعم أي استثمارات اميركية جديدة عبر «بنك الاستيراد والتصدير» و«مؤسسة الاستثمار الخاص ما وراء البحار». وستبقى «اتفاقية إطار العمل الاستراتيجي» لعام 2008 أساساً لتعميق العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والعراق والتشديد على إصلاحات مكافحة الفساد.

شيلي كولبرتسون
يُشكل الاستثمار في الجهود التي تساعد العراقيين على العودة إلى حياتهم الطبيعية أمراً ضرورياً لنجاح عملية إعادة الإعمار. ومن أجل توفير الاستقرار الفوري للموصل ومناطق أخرى، ومساعدة الأشخاص المشردين داخلياً على العودة إلى ديارهم، وإيجاد ظروف عيش لائقة، ينبغي على الولايات المتحدة أن تركز على تقديم المساعدة الفنية والدعم الدبلوماسي في أربعة قطاعات رئيسة.
يُعد الوضع الإنساني مصدر القلق الأول. فقد أسفرت الحرب مع تنظيم «الدولة الإسلامية» عن نزوح 5،7 مليون عراقي، 1،6 مليون منهم من محافظة نينوى وحدها. وقد عاد أكثر من 3 ملايين عراقي إلى ديارهم، إلا أن 2،6 مليون مشرد ما يزالون في المخيمات بسبب مجموعة من العقبات، من بينها تدمير منازلهم، ومخاطر الألغام، والبطالة، والخلافات المحلية. كما أن حوالي 70 في المائة من أولاد المدارس في العراق لم يلحقوا بالدراسة عاماً دراسياً واحداً في الأقل وما زالوا ينتظرون إعادة دمجهم في النظام التعليمي، علماً أن نحو مليون منهم أُرغموا على دراسة المناهج التعليمية الخاصة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» خلال فترة الاحتلال، ويحتاجون على الأرجح إلى إعادة التأهيل. ومن الضروري أيضاً وضع آليات لضمان حق التصويت للأشخاص المشردين داخلياً نظراً لاقتراب موعد الانتخابات في أيار/مايو، فالعدد الأكبر من هؤلاء النازحين هم من السنّة، وقد يؤدي عدم تمثيلهم إلى إثارة شكوك حول شرعية نتائج الانتخابات.
ويشكل الأمن مصدر االقلق الثاني – والسبب الأول لعدم عودة معظم الناس إلى بيوتهم. ففي الموصل، على سبيل المثال، ما زالت نسبة 90 في المائة من المباني تحتوي على متفجرات وأدوات مفخخة. وتُبذل حالياً جهود لإزالة المتفجرات من الهياكل الأساسية العامة، إلّا أنّه لا يتوفر سوى القليل من التمويل لإزالة الألغام في المناطق السكنية. إضافة إلى ذلك، ما زال الجنود والميليشيات الذين تم حشدهم لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» يعملون مع [سلطات] إنفاذ القانون، الأمر الذي يثير استياءً بين السكان المحليين. ولذلك ثمة حاجة ملحة إلى تجنيد وتدريب قوات شرطة مجتمعية تعكس التركيبة المحلية للسكان.
أما مصدر القلق الثالث – أي إعادة البنى التحتية الحضرية والخدمات العامة – فقد شكّل محور تركيز كبير لمؤتمر المانحين، على الرغم من أن «البنك الدولي» و»برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» قد استثمرا مسبقاً في الإصلاحات الرئيسة للبنى التحتية. وبغية استيعاب التعهدات البالغة 30 مليار دولار، يتعين على العراق إجراء تغييرات تقنية مثل تدابير مكافحة الفساد. والأمر الذي يكتسي نفس القدر من الأهمية هو تطوير فرص العمل المتنوعة في القطاع الخاص من أجل خفض نسبة العمالة الحكومية التي تشكل حالياً 40 في المائة من القوة العاملة. وثمة أولوية أخرى تعمل عليها برامج الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار وهي إعادة الرعاية الصحية الأساسية.
والقلق الرابع هو الحَوْكمة والمصالحة. فالحاجة تدعو إلى اتخاذ إجراءات عدالة جديدة لحل النزاعات الطائفية المحلية، وتقصي الأشخاص المتورطين في الأنشطة الإجرامية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، وفك مركزية المسؤوليات الحكومية وتفويضها للمحافظات، مع الإشارة إلى أن تطبيق قانون اللامركزية العراقي الصادر عام 2013 كان يجري ببطء وأن مبادرات المصالحة الوطنية لم تبصر النور يوماً. لذلك، ينبغي على الولايات المتحدة العمل على محاولة تيسير المزيد من الدفع والتحرك في هذا الإطار.

جيفري بات
أساء مؤتمر الكويت عرض المشاريع على المستثمرين من القطاع الخاص. وعلى الرغم من أن التركيز على المشاريع الضخمة من أعلى الهرم إلى أسفله المتمحورة حول الدولة أمر مفهوم نظراً للتحديات الهائلة التي يواجهها العراق في فترة ما بعد الحرب، إلا أن هذه المقترحات تميل إلى إثارة مخاوف القطاع الخاص من الفساد والروتين الحكومي والمخاطر القانونية. فالحكومة العراقية تفتقر للآليات المطلوبة لتخصيص الأموال بشكل صحيح، كما يتضح من الفائض المحتمل في ميزانيتها على الرغم من العجز المسجل. وقد فشلت الأطراف على جميع المستويات في التوصل إلى حلول مبتكرة لتحديات الاستقرار العاجلة في المناطق المحررة من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية».
وبوصفه ثاني أكبر اقتصاد نفطي في العالم، ينبغي على العراق أن ينظر في إمكانية تقديم حصة من عائدات النفط لدعم السكان المتضررين ومنح جميع المجموعات العرقية حصةً فوريةً في الاقتصاد. وثمة احتمال آخر في هذا المجال يتمثل في خصخصة الجهات غير القائمة على الموارد مثل «المصرف العراقي للتجارة».
لكن الأمر الإيجابي هو أن قطاعَيْ الفنادق والتكنولوجيا في العراق يحققان أرباحاً على نحو متزايد، وأن سوق الأسهم (البورصة) يسجل معدلات قوية منذ عام 2017. وعلى الرغم من التفاؤل بين المستثمرين، إلّا أنهم يحذرون من الفساد المتفشي في البلاد وعدم وجود نظام يكفل التصرف السليم بالأموال. فالمشاريع الضخمة أو تلك التي تستغرق وقتاً طويلاً ما بين الموافقة والتنفيذ تزيد من احتمالات الفساد. وفي حين أن «الناتج المحلي الإجمالي» في العراق يناهز الـ 200 مليار دولار، إلّا أنّ 90 في المائة من السكان لا يستخدمون النظام المصرفي، وتشكل القروض الخاصة نسبة 9 في المائة فقط من «الناتج المحلي الإجمالي». لذلك، من شأن التنمية القوية للقطاعين المالي والمصرفي أن تحقق الشفافيةً والإدارةً المالية، الأمر الذي يتيح حدوث نمو هائل في القطاع الخاص وتنويع موارده بعيداً عن النفط.

* أعد هذا الملخص لمعهد واشنطن ياسر زيدان ومارينا بودريت.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة