بدأ شتاؤنا ايامه شحيحا جافا (لابرد ولا مطر) فتسرب القلق إلى النفوس خشية ان يطوي الشتاء ايامه جافا ليسلمنا إلى صيف يعرف كيف يرينا « نجوم الظهر» .. ولكن على حين غرة ومن دون مقدمات غير الشتاء موقفه فانهمر المطر مدرارا لتمتلئ الشوارع والبيوت والازقة بتلك المياه الحائرة التي لاتعرف طريقا ، حتى تشرق الشمس لتتولى عملية تبخيرها لتعود مرة اخرى من حيث اتت !! .. ومن المؤكد ان الامطار التي هطلت خلال الايام الماضية اسهمت بكسر جدار الجفاف المتوقع في الايام المقبلة التي ربما ستشهد المزيد من الامطار ، فقد شوهد نهر دجلة وقد ازدادت مناسيب المياه فيه بعد يومين متتاليين من الامطار وعسى ان تتمكن تلك المياه من مواصلة طريقها جنوبا لتروي عطش الارض هناك بعد ان جف النهر فيها ليتحول إلى ملعب لكرة القدم !!
ودائما .. تبقى مشكلتنا تتمثل في كيفية ادارة المياه المتوافرة لدينا سواء تلك النازلة من السماء او التي تأتينا عبر نهري دجلة والفرات وروافدهما .. والادارة هنا لاتقتصر على مؤسسات الدولة المعنية بملف المياه ، ادارة وانتاجا ، انما القضية تتعدى الحكومة ومؤسساتها لتصل إلى المواطن واستعمالاته المفرطة للمياه .. وهنا تخيلوا هذا المشهد الحقيقي الذي يتكرر في فصل الصيف وفي ذروة الحاجة للمياه …
«خزان الماء الموجود في الطابق الثاني من دون طوافة .. و»الماطور» يواصل انينه طوال الليل والنهار .. مبردة الهواء هي ايضا بلا طوافة !.. ولكنها تنعش الاجواء فينام اهل الدار ملء جفونهم وغيرهم يسهر ارقا من جرّاء الجفاف والعطش .. يمتلئ الخزان فيغرق السطح ثم ينساب الماء عبر الميزاب ليختلط بذلك الماء المسكوب من المبردة طوال الليل ، وفي الصباح نجد الشارع وقد غمرته المياه المتجمعة من الخزانات والمبردات وغسل «الطرامي» والسيارات وسقي الحدائق ورش الرصيف ، فضلا عن الاستعمالات الاخرى غير المهذبة للمياه « .. ، مناسيب الاستهلاك ترتفع إلى مستويات غير مسبوقة ، فنحن في صيف لا يرحم ،اذ الشمس على مرمى حجر من رؤوسنا رافعة درجات الحرارة إلى اكثر من نصف درجة الغليان .. تصوروا ، في مثل هذا الجحيم الملتهب هناك من لا يجد ماء يطفئ به تلك النار المستعرة ،فهو يعاني من الجفاف وعدم توافر المياه بسبب قلة الكميات وعدم وصولها إلى حيث يجب ان تصل عند نهايات المناطق والأحياء السكنية المترامية في العاصمة بغداد وضواحيها وسائر المدن والمحافظات ، وسبب عدم وصولها ليس لأن الكميات المنتجة قليلة فحسب ، انما بسبب الافراط في الاستهلاك من قبل فئات اجتماعية على حساب فئات اخرى ، وكل ذلك نتيجة رخص اسعار المياه المستهلكة اذ تكاد ان تكون مجانية اذا ما قورنت بكلفة انتاجها الحقيقية او بالمقارنة مع الدول المجاورة .، ومن المؤكد اننا عندما نتحدث عن اسباب شح مياه الشرب بنحو دائم وبشكل حاد في الصيف يجب ان لا ننسى الاشارة إلى ظاهرة العشوائيات التي تمثل ضغطا هائلا على الخدمات ، ففي العاصمة وحدها تنتشر اكثر من 1000 عشوائية .
وفي ظل استمرار شح المياه نتيجة للأسباب التي ذكرناها ، هل بالإمكان ايجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة التي مازالت تهدد شرائح من المجتمع على الرغم من ارتفاع نسبة المخدومين بشبكات مياه الاسالة إلى مستويات جيدة .. نعم بالتأكيد هناك حلول متاحة يمكن اعتمادها لتقليل اثار المشكلة ، ففضلا عن ضرورة العمل على زيادة الطاقات الانتاجية لزيادة الكميات التي يتم ضخها للمستهلكين ، يجب ان يصار إلى توفير المقاييس ووضعها في جميع المنازل والمؤسسات لقياس الكميات المستهلكة بدقة ، قبل التفكير بزيادة الاجور ، وعلى المدى القريب ينبغي العمل على وضع المقاييس الذكية ، وهذا النظام يتيح قراءة ومتابعة المقاييس عبر اجهزة ذكية حتى من دون الحاجة إلى دخول المنازل من قبل الجباة … انكسار جدار الجفاف لايعفينا من ضرورة اعادة النظر بالسياسة المائية بجميع تفصيلاتها .
عبد الزهرة محمد الهنداوي
جدار الجفاف ينكسر!
التعليقات مغلقة