يضع التاريخ مجددا العراق بموضع المسؤولية التاريخية؛ المسؤولية الحضارية الكبرى والامتحان العسير. إذا هُزم العراق كدولة ذات جغرافيا حالية، وديموغرافيا سكانية متنوعة ذات أبعاد حضارية عريقة ضاربة الجذور بالتاريخ البشري على صعيد العالم، فإن موجة التخلف والظلام التي تضرب العراق وسوريا وسائر مناطق الشرق الأوسط اليوم سوف تجتاح جميع هذه المناطق كتسونامي بشري همجي مصّنع بالدوائر السرية يبتغي تدمير جميع الأسس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحضارية التي قامت عليها شعوب المنطقة.
ليس هذا “التسونامي” الهمجي البشري وليد اللحظة؛ إنه اخطبوط دولي مدروس بعناية فائقة. هؤلاء الهمج من البشر مدربون حسب أكثر المهارات العسكرية ولديهم أجهزة تكنولوجية تتفوق بها على الجيوش النظامية للدول التي تقع ضمن جدول تحطيمها وتحطيم شعوبها وقيمها الاجتماعية والتاريخية والحضارية. إنه مشروع سياسي كبير وخطير، غربي اقتصادي بالدرجة الأولى، ورجعي عربي ديني متخلف بالدرجة الثانية وصهيوني حقود بالدرجة الثالثة. الهدف الأكبر الذي يجمع هذا الثالوث غير المقدس يكمن بتدمير النسيج الاجتماعي الثر لهذه المجتمعات في سوريا ولبنان والعراق، ومن ثم تحويل البشر إلى رعاع وقطعان تبحث عن الرغيف الحاف من دون ثقافة ومن دون رصيد سياسي أو حقوق أو قانون. تسويق هذا النموذج الإسلامي الهمجي الإجرامي المتخلف إلى أبعد الحدود من قبل الدول الأوروبية والغرب الأميركي والصمت المطبق عما يجري بالعراق وسوريا من تحقير وتهجير للبشرية والمفاهيم الإنسانية ما هو في الحقيقة إلا تخطيط متقن ومسبق لإهانة المسلمين بدينهم وتصويره بهذه البشاعة والتخلف.
ثارت الشعوب الإسلامية على فيلم قصير تافه وسخيف هزلي أساء لصورة النبي محمد، بيد أن هذه الشعوب لا تثور ولا تنتفض ضد الإرهاب والقتل المجاني للأبرياء من البشر الذين حرّمت الأديان والقرآن قتلهم وذبحهم بالمجان. لماذا لا تنتفض الشعوب العربية والإسلامية لما يجري اليوم في غزة من قتل وتدمير عشوائي ترتكبه الدولة العنصرية الصهيونية بإسرائيل. لماذا تلتزم الصمت المملكة العربية السعودية ومعها بقية دول الخليج من الأقزام الموفورن الجاه والمال أمام هذه المجازر البشعة؟ لماذا يحرك الغرب قواته والنووية وغواصاته وحاملات طائراته بمجرد تهديد مصالحه أو بمجرد خطف عنصر من عناصره المخابراتية، ولا يأتي بكلمة بسيطة أو مجرد إحتجاج حتى ولو بشكل دبلوماسي على مصرع آلاف الضحيا الأبرياء؟ العراق هو الميدان الأخير والمقبرة المقبلة لهذا المشروع الغربي الصهيوني الخليجي الرجعي والحليف التركي الجبان. العراق ينتصر بشعبه وتاريخه العريق على هذا المخطط الهمجي بكل تأكيد، التاريخ يثبت هذه المعادلة التي لا تقبل الشك.
علي عبد العال