في ذكرى رحيل كوكب الشرق الـ 43
متابعة الصباح الجديد:
تحل علينا الذكرى الـ43 لرحيل كوكب الشرق أم كلثوم أقوى ظاهرة غنائية في التاريخ على الإطلاق، وهبة السماء التي وهبها المولى عز وجل للملايين، وهي بحق معجزة غنائية قل أن يجود بها الزمان.
أم كلثوم أكثر من نصف قرن على القمة رحلة غنائية رائعة تتعاقب الأجيال وما زال صوتها ملء الأسماع، تحدثنا كثيراً عن مشوارها وأغانيها وقصائدها وصوتها الإعجازي وعشقها لمصر وتبرعها للمجهود الحربي، وحفلاتها في الداخل والخارج.
أم كلثوم ظلت حتى آخر العمر في قمة التألق والإبداع والتفرد، بالرغم من أنها عانت كثيراً من المرض في السنوات الأخيرة من حياتها ،لكنها كانت كالجبل حينما تقف على المسرح لتغني حتى لو امتد الغناء لساعات عدة ، حدث ذلك بالفعل في حفلها الأخير يوم 3 يناير 1973 بسينما قصر النيل بالقاهرة، وهذا الحفل بالذات لم يذع بالتليفزيون، ولم يتم تصويره لأسباب غير معروفة كانت أم كلثوم تعاني من متاعب شديدة في الكلى وعمرها تخطى السبعين.
وقفت أم كلثوم على المسرح في الوصلة الأولى لتغني رائعة أحمد شفيق كامل ومحمد عبدالوهاب «ليلة حب»، وكانت قد غنتها لأول مرة في 7 ديسمبر 1972، الأغنية رائعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لحن جميل كلمات عذبة صوت كوكب الشرق الرخيم كانت تدغدغ مشاعر الملايين، حتى الجمل الموسيقية والتوزيع، وقفت أم كلثوم لتغني «ليلة حب» على مدى أكثر من ساعتين، نسيت آلامها ولبت مطالب الجمهور أن تعيد كل كوبليه أكثر من مرة وحتى الكوبليه الأخير وهى تقول «في المكان ده يا حبيبي ياما جينا وياما ضمتنا الليالي في المكان نفس المكان ياما طيرنا في العلالي والليلا دي يا حياة الليلة في نفس المكان حيث أنا وشوقي وقلبي والحنان جينا نستناه جينا نترجاه، جينا نفرش بالأمل سكة خطاه ومهما غبت عليه حتجينى بعد شوية آخد ايديك في ايدية وأحضن عينيك في عينية ونعيشها ليلة عمر عمرى كله عمر الدنيا».
عاصفة من التصفيق الحاد لكوكب الشرق داخل المسرح بعد انتهائها من «ليلة حب» كانت تتصبب عرقا وإرهاقا ولا تقوى حتى على الوقوف على قدميها بعد أكثر من ساعتين من الغناء، دخلت غرفتها لكى تستعد للوصلة الثانية، كان زوجها الدكتور الحفناوي يشرف على علاجها دخل غرفتها وطلب عدم دخول أي شخص مهما كان لأن الست تعبانة.
كانت حالة الإعياء الشديدة تبدو عليها، أعطاها حقنة وطلب منها الاعتذار عن الغناء في الوصلة الثانية والاعتذار للجمهور رفضت أم كلثوم طلب زوجها بشدة، وقالت له مستحيل «أنا عمري ما عملتها» ، وصممت على الغناء في الوصلة الثانية واستكمال الحفل حتى نهايته، واضطر الدكتور الحفناوي تلبية رغبتها وغنت في الوصلة الثانية على مدى أكثر من ساعة رائعة «القلب يعشق كل جميل» لبيرم التونسي والعملاق رياض السنباطي.
شاء القدر أن تكون آخر أغانيها على المسرح هذه الرائعة الخالدة وهي تشدو في النهاية بصوت مرهق لكنه رائع ورخيم «جينا على روضة هلة من الجنة فيها الأحبة تنول كل اللي تتمناه، فيها طرب وسرور وفيها نور على نور وكاس محبة يدور واللي شرب غنى وملايكة الرحمة جاية تبشرنا يا ريت حبايبنا ينولوا ما نولنا يا رب يا رب اسعدهم يا رب يا رب وفقنا، دعانى لبيته لحد باب بيته وما تجلالى بالدمع ناجيته».
صفق الجمهور كالعادة بحرارة وطلب من الست أن تعيد الغناء لكنها كانت قد وصلت لقمة الإعياء وأشارت بيديها معتذرة عن الاستمرار تصبب منها العرق وشعرت أنها لن تستطيع مرة أخرى الغناء على المسرح، كان هذا الحفل التاريخي هو آخر حفلات كوكب الشرق، نصف قرن من الإبداع وأصيبت بحالة حزن شديدة بعد الحفل لإحساسها بقرب النهاية، لكن الإبداع لم يتوقف برغم من محنة المرض الشديد بعد شهرين فقط من هذا الحفل وبالتحديد في مارس 1973 سجلت أم كلثوم بصوتها باستديو 35 بالإذاعة آخر أغنياتها «حكم علينا الهوى»، تأليف عبدالوهاب محمد وألحان بليغ حمدي، المرض الشديد كان يبدو على صوتها ولكنها تغلبت على كل ذلك لتغني وتبدع.
اشتد المرض في العامين الأخيرين ولكن أم كلثوم لا تريد التوقف عن الغناء، كان الموسيقار الراحل سيد مكاوي يتردد عليها بالڤيلا لعمل بروفات أغنية «أوقاتي بتحلو»، وكانت تدندن معه على العود ولكن حالتها لم تكن تسمح أبدا بالغناء، بعد إصابتها بالفشل الكلوي وأمراض أخرى في أنحاء متفرقة من الجسد.
وحتى الساعات الأخيرة كان لديها أمل في الشفاء والعودة للغناء ولكن إرادة الله كانت سباقة .
ورحلت كوكب الشرق بمستشفى المعادي العسكري يوم 3 فبراير 1975، بكت مصر كلها رحيل كوكب الشرق وفي اليوم الثاني تم تشييع جثمان كوكب الشرق من مسجد عمر مكرم بميدان التحري بحضور نصف مليون نسمة من عشاقها، وتم دفنها في منطقة البساتين في مقبرة خاصة كانت كوكب الشرق قد أعدتها قبل رحيلها بعشرين عاماً.