الحوار في المناطق المشتركة

حقيقة : لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة ، وإزاء هذه الحقيقة وهي عدم امتلاك الحقيقة المطلقة ، علينا ان نحمل ما لدينا من اجزاء ونذهب للبحث عن متبقياتها لدى الاخرين ، بهدف الوصول إلى مناطق مشتركة واسعة وعريضة نلتقي فيها جميعا لنتمكن بعد ذلك من ايجاد الحلول للكثير من المشكلات التي تعصف بنا في كل حين .. ؛فان بقي كل واحد منا متمسكا برأيه ويعد نفسه هو الوحيد الذي يمتلك الحقيقة ، وسواه ليس سوى هراء ، فسنعود القهقري !! ..
إن التمسك بالرأي والموقف من دون النظر إلى اراء ومواقف الاخرين يجعلنا كمن يحيط نفسه بسياج كونكريتي ضخم ظاهره امتلاك ناصية الحق والحقيقة ! ، وباطنه ليس سوى الجهل بالحقيقة ذاتها ، لذلك تبقى افكارنا حبيسة تلك الجدران ، ومعها تبقى مشكلاتنا تتناسل كل يوم وتتفاقم ، حتى بات حلها عصيا علينا جميعا ..اليوم ونحن على اعتاب مرحلة جديدة مطلوب منا البحث عن المناطق المشتركة فيما بيننا ، لنجعل منها غرف عمليات للتفكير الايجابي والوصول إلى حلول وتذليل لجميع التحديات التي تواجهنا في طريق معالجة المشكلات ، وفي مرحلتنا الجديدة هذه لدينا مشكلات ورثناها من المراحل السابقة وبعضها حديث النشأة وثالثها يتكرر كل عام ورابعها يحدث كل اربعة اعوام .. بعضها يومي وآخر اسبوعي وغيرها شهري .. وهكذا دواليك .. فلنأخذ مثلا قضية خصخصة جباية الكهرباء التي اثير بشأنها جدل ، وجابت الشوارع تظاهرات رافضة بشدة لهذا التوجه ، لأن هذا المشروع يستهدف الفقراء على وجه التحديد ، يقول المعارضون للخصخصة ، ..كلا ، انما هو مشروع يهدف إلى ترشيد الاستهلاك وضمان استمرار تجهيز الكهرباء وان حقوق الفقراء محفوظة؛ لان الاسعار ستكون مدعومة من الحكومة بنسبة 80% ، يقول انصار المشروع .. ولو حاولنا ان نصل إلى منطقة التفكير المشتركة بين الفريقين لما احتجنا إلى الكثير من البحث ، فالمنطقة المشتركة بينهما هي ان كل فريق منهما يفكر بمصلحة الناس وتحقيق الفائدة العظمى للشعب ، وهنا فان كلا الطرفين غير معني بأصحاب الاجندات الذين يسعون إلى خلط الاوراق والاستفادة من القضية في تحقيق مكاسب مالية او اقتصادية او ربما انتخابية ، وفعلا ، نجح طرفا المعادلة في الوصول إلى تلك المنطقة وثمة معلومات تشير إلى ان الحكومة استقبلت اراء وملاحظات من عدد من الحكومات المحلية ترقى إلى مستوى الخطط لمعالجة الثغرات والسلبيات التي تكتنف مشروع خصخصة جباية الكهرباء ، وهذا ما كان له ان يتحقق لو لم يسع الجانبان إلى البحث عن حل والخروج من الازمة ، .. ولا تتوقف مشكلاتنا عند ملف الخصخصة ، انما لدينا مشكلات اخرى منها مشكلة الموازنة التي مازالت غائبة عن جدول اعمال مجلس النواب بسبب سيل مايتقاذفها من تيارات مؤيدة وأخرى معارضة ، ومع عدم تمكن التيارين من الوصول إلى منطقة تفكير مشتركة ، فلن نتوقع اقرار هذا المشروع الحيوي بالنسبة لحياة العراقيين ، .. وهناك قضية اجراء الانتخابات من عدمها وما هي طبيعة الائتلافات المقبلة ، وأسئلة كثيرة جدا تدور في هذا الفلك الدوار التي لم يتوصل اصحاب الحل والعقد المعنيون به إلى منطقة تفكير مشتركة فيما بينهم ،ليقرروا التأجيل ام المضي قدما في اجرائها ، اذ مازال الجميع يقف خلف اسوار شروطه مراقبا المشهد عبر الشقوق الجانبية لتلك الاسوار ، ومن المؤكد ان مشهدا بهذا النحو من الغموض بسبب انعدام الرغبة لدى المعنيين في الذهاب إلى منطقة تفكير انتخابية مشتركة سيثير الكثير من الغبار والضبابية التي تؤدي إلى التعتيم على الحلول المتاحة ، غير مدركين خطورة الوضع في حال لم يتمكنوا من تجاوز جدران العزلة والتمترس خلفها ..
مطلوب منا جميعا البحث عن مناطق التفكير الايجابي المشتركة وهي الاقرب إلى حواف عقولنا من تلك المناطق السلبية ، لنكون فعالين ومؤثرين في تصحيح الكثير من المسارات التي انحرفت رؤوسها نتيجة البقاء في دائرة التفكير السلبي المغلق .
عبد الزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة