نحو عراق جديد سبعون عاماً من البناء والإعمار

هشام المدفعي
اعتادت الصباح الجديد ، انطلاقاً من مبادئ أخلاقيات المهنة أن تولي اهتماماً كبيرًا لرموز العراق ورواده في مجالات المعرفة والفكر والإبداع ، وممن أسهم في إغناء مسيرة العراق من خلال المنجز الوطني الذي ترك بصماته عبر سفر التاريخ ، لتكون شاهداً على حجم العطاء الثري والانتمائية العراقية .
واستعرضنا في أعداد سابقة العديد من الكتب والمذكرات التي تناولت شتى صنوف المعرفة والتخصص وفي مجالات متنوعة ، بهدف أن نسهم في إيصال ما تحمله من أفكار ورؤى ، نعتقد أن فيها الكثير مما يمكن أن يحقق إضافات في إغناء المسيرة الإنمائية للتجربة العراقية الجديدة .
وبناءً على ذلك تبدأ الصباح الجديد بنشر فصول من كتاب المهندس المعماري الرائد هشام المدفعي ، تقديرًا واعتزازًا بهذا الجهد التوثيقي والعلمي في مجال الفن المعماري ، والذي شكل إضافة مهمة في مجال الهندسة العمرانية والبنائية وما يحيط بهما في تأريخ العراق .
الكتاب يقع في (670) صفحة من القطع الكبير، صدر حديثاً عن مطابع دار الأديب في عمان-الأردن، وموثق بعشرات الصور التأريخية.
الحلقة 38
الفصل الخامس عشر
أيام المحنة

سجن الأحكام الخاصة
ادخلت سجن الاحكام الخاصة في كانون الاول 1986 ، والمكون من عدد كبير من القاعات قسم منها مغلق لحزب الدعوة والاخرى للاحكام الخاصة ,الا ان القاعة التي ادخلت فيها كبيرة وواسعة ، وتضم نحو (40) من المحكومين . دخلت والكل يتساءل .. من هذا ، انه فلان الوكيل الفني لأمين العاصمة . وهذه الاسماء والمناصب لها دلالاتها العديدة للسجناء . لقد احطت بالترحاب من قبل السجناء الاخرين ، لا لأنهم يعرفوني ، بل لاني وصلت وليس معي اي شيء . خصص لي سرير ، وتبرع لي البعض بما وجده مناسبا من بطانية ووسادة وشرشف وحاجيات اخرى . جلب لي مراقب القاعة ، وهو محكوم بالسجن المؤبد ( روباً ) جديداً ، باعه احد السجناء ، ومن الطريف ان اذكر ان هذا الروب ، لم يزل عندي والبسه دون ان اعلم احد بأمره حتى سنة 2000. وفي اليوم التالي اعطوني بعض القمصان والسراويل وكل الحاجيات الاخرى . كل ذلك لأن عائلتي لن تزورني الا يوم المواجهة بعد عدة ايام .
شاركت من معي من السجناء في اكلهم وشربهم الى ان اتدبر امري فيما بعد . كانت الارزاق توزع على السجناء ، بمعدل ثلاث مرات في اليوم . الفطور يحتوي احيانا على علبة جبن او باكيت زبد مع الصمون والشاي . الغداء يتكون من الرز المطبوخ والمرق والصمون . العشاء شيء مماثل مع برتقالة . الا اني عرفت بعدئذ ان عوائل السجناء تجهزهم بالاكل الكامل لمدة اسبوع ، وتصبح ارزاق السجن غير ضرورية .
اما الحياة اليومية في السجن فتختلف من سجين لاخر . منهم من يعتبر ان حياته انتهت في هذا السجن ، ولا امل له بحياة حرة ، وان كان الجميع يمني النفس بصدور العفو العام ويعود الى حياة الحرية . ومنهم من يعتقد انها فترة مرحلية من الحياة ، يجب ان اعيشها واهيئ نفسي لما بعدها من مراحل . من السجناء من ينظر الى السجن كمهزلة اختلقها النظام الحاكم للايقاع بمن لايرغب بهم بشكل او اخر . ومنهم من يعترف بانه وقع بالخطأ ، وعليه دفع فاتورة الخطأ . ومنهم من يعتقد ان السجن موقف للسياسيين والمحسوبين على الاحزاب السياسية ، الكردية منهم على الاخص . كان سجن الاحكام الخاصة يضم زهاء ( 2350 ) محكوما . لم يبق منهم سوى ( 200 ) محكوم ، بعد صدور العفو عن السجناء الاكراد في اوائل عام 1988 .
تبدأ الحياة لدى السجناء منذ الفجر ، حيث يبدأ البعض باداء الصلاة وقراءة القرآن ، واخرون يهيئون انفسهم للخروج الى الساحة العامة بعد فتح الابواب . تفتح الابواب الحديدية المحكمة في الساعة السادسة صباحا ، وتغلق في الساعة السادسة مساء . وعند حدوث طارئ ما ينادى على السجناء بدخول قاعاتهم خلال خمس دقائق ، فتغلق الابواب ويتعرض من بقي خارجا الى العقاب . وتغلق الابواب احيانا لتعداد السجناء في كل قاعة ، وفي كل قسم .
في الفترة الصباحية ، يتوزع السجناء الى حياتهم واهتماماتهم ، فالاغلبية تمارس الالعاب الرياضية مثل كرة القدم والطائرة والمشي حول ساحة كرة القدم . والبعض الاخر يذهب الى ورش العمل كالحلاقة والخياطة والكوي وغسل الملابس والبطانيات والتضميد . من السجناء من ينصرف الى الاعمال اليدوية البسيطة كاعمال النمنم وحياكة الخيوط لصنع نوع من الاحذية ( الكالة ) .
في فترة الغداء ، تغلق الابواب وتوزع الارزاق ، ويقوم السجناء بتهيئة الغداء كل حسب مجموعته ، وبعضهم يتناول غداءه بمفرده . هناك من يدعوني لتناول الغداء معه لتذوق نفائس الاكل المرسل اليه من عائلته من مختلف انحاء العراق . تتبع وقت الاكل ، فترة الراحة حتى انتهاء الدوام الرسمي لدوائر الدولة ، فتفتح الابواب بعدها ويخرج السجناء الى اعمالهم ، او ممارسة الالعاب الرياضية ، ولاسيما لعبة كرة القدم ، فترى مشجعي الفريقين يقفون على جوانب الساحة بملابس السجن القهوائية . والكثير من السجناء يتمشون كل اثنين او ثلاثة حول الساحة مجيئا وايابا . . وتشاهد بعض السجناء يفترش بساطا له ، ويجلس عليه مع اصدقائه يتحدثون في مختلف نواحي الحياة … وهناك عدد من الصفوف الدراسية يحضر دروسها بعض الشباب غير المتعلم ، لتعلم القراءة والكتابة .
كان في السجن مجموعة من جماعة الاخوان المسلمين ، يقدر عددهم بنحو خمسين سجينا ، كانوا قد رفعوا السلاح ضد حزب الدعوة ، وآمنوا بالكفاح المسلح للتخلص من حزب الدعوة ، لكن الدولة القت القبض عليهم لمخالفتهم قوانين حمل السلاح والتصرف به ، فحكموا باحكام الاعدام والسجن المؤبد . وكان منهم احد المهندسين الكهربائيين والاطباء و المعلمين، طلب مني المهندس الكهربائي ان اعطيه دروسا في تصميم المخازن المبردة من منطلقات العازل الحراري للسقوف والجدران والارضيات ، ودرجات الحرارة المطلوبة لخزن المواد كالخضر والفواكه والحبوب . وقد خصصت ساعتين عصرا لالقاء الدرس .
اما في المساء فقد كان واجبنا ان نستمع الى نشرة الاخبار في الساعة الثامنة من تلفزيون بغداد ، وكانت اخبار رئيس الجمهورية واخبار الحرب مع ايران تتصدران نشرة الاخبار كل يوم . كان واجبا على كل سجين ان يستمع لنشرة الاخبار بعد الانتهاء من تناول العشاء ، وبعدها يغلق التلفزيون ونتفرق . وكانت تضمنا ايضا حلقات للحديث بمختلف الامور والتجارب والذكريات بما يشبه المجلس الادبي .
حياتي الخاصة في السجن ، كانت منتظمة نوعا ما مع متطلباتي في تلك الفترة ، على الرغم ما يخيم عليها من اجواء السجن الرتيبة والحرية السليبة . بعد ان وجدت ساحة لعب كرة التنس مبلطة ، ووجود بعض لاعبي التنس ، قررت الاشتراك معهم في اللعبة . وطلبت من ابنتي غادة ان يرسل لي صديقي حسين طه النجم عدة التنس من مضرب وكرات وملابس . باشرت بلعب كرة التنس صباحا لمدة ربع ساعة بالشوط ، وبمرور الوقت تمكنت بعد ان تحسنت لياقتي البدنية من اللعب لمدة ساعتين صباحا . اما في العصر فتكون الساحات مزدحمة ، فازاول رياضة المشي مع بعض زملائي لمدة ساعتين او اكثر . كنت اجلس مع الرعاة البدو المحكومين بالتجسس نتبادل الحديث حول البادية واشعارها وغنائها وتقاليدها واخبارها . هؤلاء البدو يرعون مواشيهم في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا . ولوجودهم احيانا في الاراضي السورية طلبا للكلأ ، فقد اتهموا بأنهم يتجسسون لحساب سوريا . كما كنت التقي مجموعة من الضباط المحكومين ، ومنهم من يحمل شهادة الدكتوراه من فرنسا ، ومتخصص بالاسلحة البايلوجية . اسرني احد هؤلاء الضباط وكان برتبة مقدم بعد ان عرفت انه متخصص بالسلاح الجرثومي ، انه كتب الى حسين كامل ، وهو وزيره ، تقريرا عن اهمية اختصاصه وحاجة الجيش اليه يومئذ . وبالفعل بعد نحو خمسة اسابيع استدعي هذا الضابط الى ادارة السجن ، ونقل الى حاكمية المخابرات ، وافرج عنه والتحق مباشرة بوحدته الخاصة في منشأة سعد للتصنيع العسكري . وبعد زهاء ثلاثة اشهر ، كرمه رئيس الجمهورية ، وافرج عنه بعفو خاص . ولابد انه قدم شيئا متميزا في اختصاصه بالاسلحة الكيمياوية .
وقضيت اوقاتا طويلة مع اساتذة جامعيين ، وتحدثت معهم وتعرفت على اختصاصاتهم ومشاكلهم ، مثلما تعرفوا علي وعلى حياتي ، وكنا مجمعين على ان الحكم غير صائب لسبب او اخر . كنا نعقد جلسات ليلية للمطالعة وقراءة الشعر . واتذكر انه كان بيننا عدد من الصحفيين والادباء ، ومنهم اديب كان يعمل محررا مع الشاعر محمد مهدي الجواهري في جريدته ( الرأي العام ) ، وقد روى الكثير من غرر شعر الجواهري وحياته .
من اصدقائي في السجن كان عدد من التركمان ، ومنهم جاري في القاعة الذي كان سريري بجنب سريره ، وكان معوقا ويكنى ابو رعد . كان هذا عضوا في احدى الحركات السياسية التركمانية ، ويعمل مدرسا في احدى مدارس كفري . كان مسجونا للمرة الثانية ، ويحظى باحترام جميع التركمان في السجن ، اذ يتضح انه كان بدرجة كبيرة في الحركة التركمانية . كان هادئا خلوقا محترما وعارفا بتاريخ واحوال شمال العراق ، واصل التركمان وتاريخهم .
كان لدي جهاز راديو ارسله لي هدية رئيس جهاز المخابرات فاضل البراك بعد انتهاء التحقيق معي ، ولدي موافقة ان اجلب الى السجن اي كتاب ارغب بقراءته . كانت بالطبع فرصة ثمينة لقراءة الكتب التي اطلبها من مكتبتي في البيت او ما يصدر حديثا . كانت ابنتي غادة تجلب لي ما اطلبه من كتب في كل مواجهة اسبوعية . وكان يسمح بجلب وقراءة بعض المجلات او تداولها في السجن ، ومن خلالها كنت اعرف ما يدور في العالم يومذاك .
ايام المواجهة ، كانت مناسبة استقبل فيها اسرتي ومعارفي . فقد زارني في السجن الكثير من الاقارب والاصدقاء . وكنت استعد في يوم المواجهة فاستعين ببعض المحكومين لمساعدتي مقابل اكرامية معينة . كان اثنان منهم يعدان لي خيمة في احدى زوايا ساحة المواجهة ، تغطي مايقرب من 36 مترا مربعا ، وتفرش ارضيتها بالبسط وعليها بعض الوسائد . وقد توفرت بعض الكراسي المتحركة لجلوس الضيوف .
تبدأ المواجهة في الساعة العاشرة صباحا ، فتفتح الابواب للزوار ، فيدخل اقارب واصدقاء المحكومين وهم بالمئات من مختلف انحاء العراق ، جالبين معهم مايحتاجه السجناء من حاجيات ومتطلباتهم من مأكولات وملابس وهدايا . استقبل زواري فردا فردا ، ومنهم من تاخذه نوبة من البكاء ، ومنهم من يظهر الظرف كسبيل للمواساة ، فيبدا الحديث بعبارات المجاملة الاعتيادية ثم تستمر الاحاديث المختلفة ، تتخللها الطرائف والنكات . كان اول زواري ابنتي غادة التي عندما تصل الى خيمتي ، تكون قد قضت ساعات من الوصول الى السجن والانتظار والتدافع وختم الايدي بختم ملون خاص . كما كانت شقيقتي ميادة دائمة الحضور لمواجهتي . ولا انسى امي المعوقة بسبب ساقيها ، كانت تزورني على الرغم من صعوبة مشيها حتى كان يساعدها (السجين فواز) وبعض زملائي في السجن بدفع كرسيها المتحرك عبر الممر الطويل من المدخل الى الساحة الخلفية . كانت غادة تجلب جميع احتياجاتي من ملابس وطعام ومبالغ وكتب ومجلات . وكنت اكتب اليها رسائل ابث فيها مشاعري في السجن وابين فيها ما احتاجه في المواجهة المقبلة .
حضرت من اليونان زوجة شقيقي المعماري قحطان المدفعي مع الفتاة التي تساعدها في البيت ( كولا ) ، وقد زارتني في السجن مع رسالة اخوية من قحطان . ولا يمكنني هنا الا ان اذكر اقاربي واصدقائي ومعارفي الذين تجشموا عناء المجيء لمواجهتي ، وعادوا محملين بالكثير من الخواطر والانطباعات .
لا انسى زيارة صديقي محمد عبد الوهاب الذي صار عديلي بعدئذ . ولا انسى كلمته التي قال فيها ان بقائي في السجن لن يستغرق سنتين . فهو سجين سابق ومحام وله علم بهذه الاحكام وطبيعتها .حكم عليه بالسجن في قضية ما ، وقضى مع رفعة الجادرجي في السجن والتقى عطا عبد الوهاب فيه . وكما توقع فقد بقيت في سجن ابي غريب مدة سنتين ، حيث اطلق سراحي في كانون الاول 1988 ، ولهذا العفو قصة سارويها فيما بعد .
يقع سجن الاحكام الخاصة مع مجموعة السجون في أبو غريب ، كسجن الاحكام الخفبفة وسجن الاحكام الثقيلة وادارتها . اما سجن الاحكام الخاصة فيتكون من ممر طويل عرضه اربعة امتار ، تقع على جانبيه اقسام السجن ، وهي عبارة عن قاعات ، لكل قاعة باب محكمة من القضبان الحديدية . مدخل القاعة ساحة مفتوحة عرضها اربعة امتار وطولها ثمانية امتار ، في وسطها باب للدخول الى الحمامات والمرافق الصحية ، وفي اخرها مدخل عريض للقاعة التي طولها ثلاثون مترا وعرضها اثنا عشر مترا . ولكل سجين سرير في هذه القاعة ، حيث تتوزع الاسرة على الجوانب ووسط القاعة . كان سريري في المدخل مع خمسة اسرة . وبجوار المدخل الى القاعة يوجد درج للصعود الى الطابق العلوي ، حيث توجد قاعة كالتي في الاسفل .
على طول الممر الوسطي لسجن الاحكام الخاصة ، وطوله مائة وخمسون مترا ، تقع الاقسام ، وبعضها يطلق عليه الاقسام المغلقة ، وكانت مخصصة لسجن اعضاء حزب الدعوة او السجناء الذين لاتريد السلطة ظهورهم او الاتصال بهم . كنا نشعر بوجود سجناء في تلك الاقسام المريبة ، عندما ياخذ هؤلاء السجناء بالصياح باصوات عالية . لكن لايمكن لهؤلاء التمتع بالرياضة والمشي كاقسام السجن الاخرى . كنا نسمع عنهم من بعض السجناء معنا ، ممن عينتهم ادارة السجن لادخال الاطعمة والادوية والحاجيات الاخرى . وفي نهاية الممر الطويل ، باب كبير يؤدي الى الساحة الخارجية التي تبلغ ابعادها زهاء 200 × 100 متر.
كان السجن محاطا بسياج عال ، ارتفاعه يقرب من ستة امتار ، فيصعب على الانسان العادي تسلقه . وتقع نقاط الحراسة في زوايا هذا السياج ، وفي كل مائة متر تقريبا من الجانب الطولي للسياج . وتقع السجون جميعا على مساحة واسعة جدا ، محاطة بسياج مماثل .. انه مكان بغيض.
****
التحقيق مرة اخرى والسجن الانفرادي لمدة سبعة اشهر
استدعيت في احد الايام الى ادارة السجن ، وابلغت بالذهاب مع شخصين من حاكمية المخابرات أتيا لاصطحابي الى هناك . لااعرف سبب هذا الاستدعاء المفاجئ ، ولماذا انا بالذات . انطلقت بي السيارة ولا احد يعرف من زملائي بالسجن عن ذهابي ، فضلا عن اسرتي ، التي بقيت بحيرة وقلق عندما لم يجدوني في القاعة عند المواجهة .
بعد وصولي الى حاكمية المخابرات ، اقتادني احد الحراس الى زنزانة خاصة واغلقت الباب علي . اعطوني بطانيتين ، واحدة افترشتها والاخرى كوسادة . بقيت هناك اسبوعا دون ان يسألني احد عن شيء ، ولم يتصل بي احد . حيرتي ازدادت ، فتذكرت صديقي المعماري هشام منير الذي وجهت له تهمة اخرى ، وهو في السجن ، وحكم عليه بالسجن لسنوات اضافية . تذكرت الحملة على المهندسين الاستشاريين ، حيث حكم على الدكتور عبد الكريم علي بالسجن المؤبد ، وحكم على رفعة الجادرجي بالسجن المؤبد كذلك ، واوقف مهدي الحسني من ممارسة عمله ، وتم حجز مهندسين في مواقع العمل ، وغيرها من الاجراءات التي وقعت في فترة قصيرة . اخي قحطان بقي في الخارج ، وزوجتي توفيت ، وابني بقي في الولايات المتحدة ، ولم يبق معي في بيتي الكبير سوى ابنتي غادة . ولا تدري ماذا تفعل ، فتلجأ الى جدتها امي وعمتها ميادة طالبة المشورة والمساعدة . كان اخي عصام يعمل في ديوان رئاسة الجمهورية لوضع التصاميم الداخلية لما يكلف به من اعمال عائدة الى القصر الجمهوري . كلنا فخورون بعصام اذ نال ثناء الجميع وتقديرهم ، وهو لايعرف ما يدور في المخابرات تجاهي . اشقائي الاخرين ، خارج العراق ، سهام يعمل مع ( الاسكوا ) في الامم المتحدة في عمان ، والهام يعمل في ابو ظبي منذ سنوات ، وليس باستطاعتهما عمل اي شيء .
بعد اسبوع من وجودي في الحاكمية ، استدعيت الى التحقيق . اعطاني احد المحققين عقدا او اتفاقا مسحت الاسماء منه ، يبين فائدة شخص معين بنسبة 5% من مبلغ عقد كبير ، لمساعدة الشركة الموقعة على العقد . عرضت علي رسالة اخرى بالتلكس تنص على : لم نتسلم السلفة الاخيرة منذ فترة من الزمن وان امورنا المالية صعبةجدا . نحن نعرف ان هناك شخصاً في معاونية الانشاءات باسم هشام المدفعي ، وهو شخص عادل ومساعد . لذا نرجو ان تطلبوا منه المساعدة في التدخل لتمشية السلف رجاء.
قال لي المحقق انهم يرون بأني متهم في هذه الامور . استمر التحقيق معي لمدة اسبوعين . الا اني كنت مطمئنا جدا من عدم وجود اي علاقة لي في هذه الامور ، وان الكثير من المقاولين يعرفون خبرتي وامكانياتي في تمشية الاعمال وادارتها ، ويعرفون جيدا بان لاعلاقة لي مع اي مقاول سواء في دائرتي او دوائر امانة العاصمة الاخرى ، لذا كانوا يطلبون مساعدتي احيانا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة